الثاني
زعموا أن القائل بأن العالم متأخر عن الله والله متقدم عليه ليس يخلو إما أن يريد به أنه متقدم بالذات لا بالزمان كتقدم الواحد على الاثنين، فإنه بالطبع، مع أنه يجوز أن يكون معه في الوجود الزماني، وكتقدم العلة على المعلول مثل تقدم حركة الشخص على حركة الظل التابع له وحركة اليد مع حركة الخاتم وحركة اليد في الماء مع حركة الماء، فإنها متساوية في الزمان وبعضها علة وبعضها معلول، إذ يقال: تحرك الظل لحركة الشخص وتحرك الماء لحركة اليد في الماء، ولا يقال تحرك الشخص لحركة الظل وتحرك اليد لحركة الماء، وإن كانت متساوية. فإن أريد بتقدم الباري على العالم هذا لزم أن يكونا حادثين أو قديمين واستحال أن يكون أحدهما قديماً والآخر حادثاً.
...
وإن أريد به أن الباري متقدم على العالم والزمان لا بالذات بل بالزمان، فإذن قبل وجود العالم والزمان زمان كان العالم فيه معدوماً، إذ كان العدم سابقاً على الوجود وكان الله سابقاً بمدة مديدة لها طرف من جهة الآخر ولا طرف لها من جهة الأول. فإذن قبل الزمان زمان لا نهاية له وهو متناقض، ولأجله يستحيل القول بحدوث الزمان. وإذا وجب قدم الزمان، وهو عبارة عن قدر الحركة، وجب قدم الحركة ووجب قدم المتحرك الذي يدوم الزمان بدوام حركته.
ليس قبل الخليقة زمان: القول بأن "كان الله ولا عالم" لا يدل إلا على أمرين ...
الاعتراض هو أن يقال: الزمان حادث ومخلوق وليس قبله زمان أصلاً، ونعني بقولنا إن الله متقدم على العالم والزمان إنه كان ولا عالم ثم كان ومعه عالم. ومفهوم قولنا: كان ولا عالم، وجود ذات الباري وعدم ذات العالم فقط، ومفهوم قولنا: كان ومعه عالم، وجود الذاتين فقط. فنعني بالتقدم انفراده بالوجود فقط، والعالم كشخص واحد. ولو قلنا: كان الله ولا عيسى مثلاً ثم كان وعيسى معه لم يتضمن اللفظ إلا وجود ذات وعدم ذات ثم