فإذا عدمت الحيوة أو الروح فما عدم لا يعقل عوده وإنما يستأنف مثله، ومهما خلق الله حيوة إنسانية في تراب يحصل من بدن شجر أو فرس أو نبات كان ذلك ابتداء خلق الإنسان، فالمعدوم قط لا يعقل عوده والعائد هو الموجود أي عاد إلى حالة كانت له من قبل أي إلى مثل تلك الحالة، فالعائد هو التراب إلى صفة الحيوة.
وليس الإنسان ببدنه إذ قد يصير بدن الفرس غذاء الإنسان فيتخلق منه نطفة يحصل منها إنسان فلا يقال: الفرس انقلب إنساناً بل الفرس فرس بصورته لا بمادته وقد انعدمت الصورة وما بقي إلا المادة.
وأما القسم الثاني وهو تقدير بقاء النفس ورده إلى ذلك البدن بعينه فهو لو تصور لكان معاداً أي عوداً إلى تدبير البدن بعد مفارقته ولكن محال إذ بدن الميت ينحل تراباً أو تأكله الديدان والطيور ويستحيل دماً وبخاراً وهواء ويمتزج بهواء العالم وبخاره ومائه امتزاجاً يبعد انتزاعه واستخلاصه.
ولكن إن فرض ذلك اتكالاً على قدرة الله فلا يخلوا إما أن يجمع الأجزاء التي مات عليها فقط فينبغي أن يكون معاد الأقطع ومجذوع الأنف والأذن وناقص الأعضاء كما كان، وهذا مستقبح لا سيما في أهل الجنة وهم الذين خلقوا ناقصين في ابتداء الفترة فإعادتهم إلى ما كانوا عليه من الهزال عند الموت في غاية النكال. هذا إن اقتصر على جمع الأجزاء الموجودة عند الموت.
وإن جمع جميع أجزائه التي كانت موجودة في جميع عمره فيه فهو محال من وجهين: أحدهما أن الإنسان إذا تغذى بلحم إنسان، وقد جرت العادة به في بعض البلاد ويكثر وقوعه في أوقات القحط، فيتعذر حشرهما جميعاً لأن