ولا غرض في حق الله، وإنما المقصود المعنى دون اللفظ.
فإنه إذا كانت بين يديه تمرتين متساويتين، يأخذ إحداهما.
على أنه في حقنا لا نسلم أن ذلك غير متصور، فإنا نفرض تمرتين متساويتين بين يدي المتشوف إليهما العاجز عن تناولهما جميعاً، فإنه يأخذ إحداهما لا محالة بصفة شأنها تخصيص الشيء عن مثله. وكل ما ذكرتموه من المخصصات من الحسن أو القرب أو تيسر الأخذ فإنا نقدر على فرض انتفائه، ويبقى إمكان الأخذ. فأنتم بين أمرين: إما إن قلتم: إنه لا يتصور التساوي بالإضافة إلى أغراضه فقط، وهو حماقة وفرضه ممكن، وإما إن قلتم: التساوي إذا فرض بقي الرجل المتشوف أبداً متحيراً ينظر إليهما فلا يأخذ إحداهما بمجرد الإرادة والاختيار المنفك عن الغرض، وهو أيضاً محال يعلم بطلانه ضرورةً. فإذن لابد لكل ناظر شاهداً أو غائباً في تحقيق الفعل الاختياري من إثبات صفة شأنها تخصيص الشيء عن مثله.
الوجه الثاني في الاعتراض هو أنا نقول: أنتم في مذهبكم ما استغنيتم عن تخصيص الشيء عن مثله، فإن العالم وجد من سببه الموجب له على هيئات مخصوصة تماثل نقائضها، فلم اختص ببعض الوجوه؟ واستحالة تميز الشيء عن مثله في الفعل أو في اللزوم بالطبع أو بالضرورة لا تختلف.
فإن قلتم: إن النظام الكلي للعالم لا يمكن إلا على الوجه الذي وجد، وإن العالم لو كان أصغر أو أكبر مما هو الآن عليه لكان لا يتم هذا النظام، وكذا القول في عدد الأفلاك وعدد الكواكب. وزعمتم أن الكبير يخالف الصغير والكثير يفارق القليل في ما يراد منه فليست متماثلة بل هي مختلفة، إلا أن القوة البشرية تضعف عن درك وجوه الحكمة في مقاديرها وتفاصيلها وإنما تدرك الحكمة في بعضها كالحكمة في ميل فلك البروج عن معدل النهار والحكمة في الأوج والفلك الخارج المركز، والأكثر لا يدرك السر فيها ولكن يعرف اختلافها، ولا بعد في أن يتميز الشيء عن خلافه لتعلق نظام الأمر به. وأما الأوقات