فينتج نقيض المقدم بالاتفاق فلا نظر في صحة شكل القياس ولا أيضاً في المقدمتين فإن الأول قولنا إن كل حال في منقسم ينقسم لا محالة بفرض القسمة في محله وهو أولي لا يمكن التشكك فيه، والثاني قولنا إن العلم الواحد يحل في الآدمي وهو لا ينقسم لأنه لو انقسم إلى غير نهاية كان محالاً وإن كان له نهاية فيشتمل على آحاد لا محالة لا تنقسم. وعلى الجملة نحن نعلم أشياء ولا نقدر أن نفرض زوال بعضها وبقاء بعض من حيث أنه لا بعض لها.
والاعتراض على مقامين: المقام الأول أن يقال: بم تنكرون على من يقول. محل العلم جوهر فرد متحيز لا ينقسم، وقد عرف هذا من مذهب المتكلمين. ولا يبقى بعده إلا استبعاد وهو أنه كيف تحل العلوم كلها في جوهر فرد وتكون جميع الجواهر المطيفة بها معطلة مجاورة. والاستبعاد لا خير فيه إذ يتوجه على مذهبهم أيضاً أنه كيف تكون النفس شيئاً واحداً لا يتحيز ولا يشار إليه ولا يكون داخل البدن ولا خارجه ولا متصلاً بالجسم ولا منفصلاً عنه.
إلا أنا لا نؤثر هذا المقام فإن القول في مسألة الجزء الذي لا يتجزى طويل ولهم فيه أدلة هندسية يطول الكلام عليها ومن جملتها قولهم: جوهر فرد بين جوهرين، هل يلاقي أحد الطرفين منه عين ما يلاقيه الآخر أو غيره؟ فإن كان عينه فهو محال إذ يلزم منه تلاقي الطرفين فإن ملاقي الملاقي ملاق، وإن كان ما يلاقيه غيره ففيه إثبات التعدد والانقسام، وهذه شبهة يطول حلها وبنا غنية عن الخوض فيها، فلنعدل إلى مقام آخر.