لنا العلم بأنه ليس يفعله في ذلك الوقت، فليس في هذا الكلام إلا تشنيع محض.
المسلك الثاني وفيه الخلاص من هذه التشنيعات وهو أن نسلم أن النار خلقت خلقة إذا لاقاها قطنتان متماثلتان أحرقتهما ولم تفرق بينهما إذا تماثلتا من كل وجه، ولكنا مع هذا نجوز أن يلقى نبي في النار فلا يحترق إما بتغيير صفة النار أو بتغيير صفة النبي فيحدث من الله أو من الملائكة صفة في النار يقصر سخونتها على جسمها بحيث لا تتعداه فيبقى معها سخونتها وتكون على صورة النار وحقيقتها ولكن لا تتعدى سخونتها وأثرها أو يحدث في بدن الشخص صفة ولا يخرجه عن كونه لحماً وعظماً فيدفع أثر النار.
فإنا نرى من يطلي نفسه بالطلق ثم يقعد في تنور موقدة ولا يتأثر به. والذي لم يشاهد ذلك ينكره. فإنكار الخصم اشتمال القدرة على إثبات صفة من الصفات في النار أو في البدن يمنع الاحتراق كإنكار من لم يشاهد الطلق وأثره. وفي مقدورات الله غرائب وعجائب ونحن لم نشاهد جميعها، فلم ينبغي أن ننكر إمكانها ونحكم باستحالتها؟
وكذلك إحياء الميت وقلب العصا ثعباناً يمكن بهذا الطريق وهو أن المادة قابلة لكل شيء فالتراب وسائر العناصر يستحيل نباتاً ثم النبات يستحيل عند أكل الحيوان دماً ثم الدم يستحيل منياً ثم المني ينصب في الرحم فيتخلق حيواناً، وهذا بحكم العادة واقع في زمان متطاول فلم يحيل الخصم أن يكون في مقدور الله أن يدير المادة في هذه الأطوار في وقت أقرب مما عهد فيه، وإذا جاز في وقت أقرب فلا ضبط للأقل فتستعجل هذه القوى في عملها ويحصل به ما هو معجزة النبي.