فكذى مبادئ الوجود فياضة بما هو صادر منها لا منع عندها ولا بخل وإنما التقصير من القوابل.
وإذا كان كذلك فمهما فرضنا النار بصفتها وفرضنا قطنتين متماثلتين لاقتا النار على وتيرة واحدة فكيف يتصور أن تحترق إحديهما دون الأخرى وليس ثم اختيار؟ وعن هذا المعنى أنكروا وقوع إبراهيم في النار مع عدم الاحتراق وبقاء النار ناراً وزعموا أن ذلك لا يمكن إلا بسلب الحرارة من النار وذلك يخرجه عن كونه ناراً أو بقلب ذات إبراهيم وبدنه حجراً أو شيئاً لا يؤثر فيه النار، ولا هذا ممكن ولا ذاك ممكن.
والجواب له مسلكان: الأول أن نقول: لا نسلم أن المبادي ليست تفعل بالاختيار وأن الله لا يفعل بالإرادة، وقد فرغنا عن إبطال دعواهم في ذلك في مسألة حدث العالم. وإذا ثبت أن الفاعل يخلق الاحتراق بإرادته عند ملاقاة القطنة النار أمكن في العقل أن لا يخلق مع وجود الملاقاة.
فإن قيل: فهذا يجر إلى ارتكاب محالات شنيعة، فإنه إذا أنكرت لزوم المسببات عن أسبابها وأضيف إلى إرادة مخترعها ولم يكن للإرادة أيضاً منهج مخصوص متعين بل أمكن تفننه وتنوعه فليجوز كل واحد منا أن يكون بين يديه سباع ضارية ونيران مشتعلة وجبال راسية وأعداء مستعدة بالأسلحة وهو لا يراها لأن الله تعالى ليس يخلق الرؤية له.
ومن وضع كتاباً في بيته فليجوز أن يكون قد انقلب عند رجوعه إلى بيته غلاماً أمرد عاقلاً متصرفاً أو انقلب حيواناً، أو ترك غلاماً في بيته فليجوز انقلابه كلباً أو ترك الرماد فليجوز