كماء البحر ينقسم بالجداول والأنهار ثم يعود إلى البحر. فأما ما لا كمية له فكيف ينقسم؟ ولذا هم مفحمون والمقصود من هذا كله أن نبين أنهم لم يعجزوا خصومهم عن معتقدهم في تعلق الإرادة القديمة بالأحداث إلا بدعوى الضرورة وأنهم لا ينفصلون عمن يدعي الضرورة عليهم في هذه الأمور على خلاف معتقدهم، وهذا لا مخرج عنه.

قولهم إن الله قبل خلق العالم ...

فإن قيل: هذا ينقلب عليكم في أن الله قبل خلق العالم كان قادراً على الخلق بقدر سنة أو سنتين - ولا نهاية لقدرته - فكأنه صبر ولم يخلق ثم خلق، ومدة الترك متناه أو غير متناه. فإن قلتم: متناه، صار وجود الباري متناهي الأول، وإن قلتم: غير متناه، فقد انقضى مدة فيها إمكانات لا نهاية لأعدادها.

راجع الدليل الثاني قلنا: المدة والزمان مخلوق عندنا. وسنبين حقيقة الجواب عن هذا في الانفصال عن دليلهم الثاني.

قولهم ما الذي ميز وقتاً معيناً عما قبله وعما بعده؟ ...

فإن قيل: فبم تنكرون على من يترك دعوى الضرورة ويدل عليه من وجه آخر وهو أن الأوقات متساوية في جواز تعلق الإرادة بها؟ فما الذي ميز وقتاً معيناً عما قبله وعما بعده وليس محالاً أن يكون التقدم والتأخر مراداً؟ بل في البياض والسواد والحركة والسكون فإنكم تقولون: يحدث البياض بالإرادة القديمة والمحل قابل للسواد قبوله للبياض، فلم تعلقت الإرادة القديمة بالبياض دون السواد؟ وما الذي ميز أحد الممكنين عن الآخر في تعلق الإرادة به؟ ونحن بالضرورة نعلم أن الشيء لا يتميز عن مثله إلا بمخصص، ولو جاز ذلك لجاز أن يحدث العالم وهو ممكن الوجود كما أنه ممكن العدم، ويتخصص

طور بواسطة نورين ميديا © 2015