تهافت الفلاسفه (صفحة 120)

مسألة في إبطال قولهم إن الله تعالى عن قولهم لا يعرف الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان إلى الكائن وما كان وما يكون

مسألة في إبطال قولهم إن الله تعالى عن قولهم لا يعرف

الجزئيات المنقسمة بانقسام الزمان إلى الكائن وما كان وما يكون

اتفاقهم على هذه المسألة

وقد اتفقوا على ذلك فإن من ذهب منهم إلى أنه لا يعلم إلا نفسه فلا يخفى هذا عن مذهبه، ومن ذهب إلى أنه يعلم غيره وهو الذي اختاره ابن سينا فقد زعم أنه يعلم الأشياء علماً كلياً لا يدخل تحت الزمان ولا يختلف بالماضي والمستقبل والآن ومع ذلك زعم أنه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، إلا أنه يعلم الجزئيات بنوع كلي. ولا بد أولاً من فهم مذهبهم ثم الاشتغال بالاعتراض.

قولهم إن كسوف الشمس في المستقبل والحاضر والماضي نعلمه بعلوم ثلاثة

ونبين هذا بمثال وهو أن الشمس مثلاً ينكسف بعد أن لم يكن منكسفاً ثم يتجلى فيحصل له ثلثة أحوال أعني الكسوف حالة هو فيها معدوم منتظر الوجود أي سيكون وحال هو فيها موجود أي هو كائن وحالة ثالثة هو فيها معدوم ولكنه كان من قبل. ولنا بإزاء الأحوال الثلثة ثلثة علوم مختلفة فإنا نعلم أولاً أن الكسوف معدوم وسيكون وثانياً أنه كائن وثالثاً أنه كان وليس كائناً الآن، وهذه العلوم الثلثة متعددة ومختلفة وتعاقبها على المحل يوجب تغير الذات العالمة فإنه لو علم بعد الانجلاء أن الكسوف موجود الآن كان جهلاً لا علماً ولو علم عند وجوده أنه معدوم كان جهلاً فبعض هذه لا يقوم مقام بعض.

إن الله لا يعلم لأنه لا يتغير ... فزعموا أن الله لا يختلف حاله في هذه الأحوال الثلثة فإنه يؤدي إلى التغير، وما لم يختلف حاله لم يتصور أن يعلم هذه الأمور الثلثة فإن العلم يتبع المعلوم فإذا تغير المعلوم تغير العلم وإذا تغير العلم فقد تغير العالم لا محالة، والتغير على الله محال.

... إلا بعلم لا يختلف

ومع هذا زعم أنه يعلم الكسوف وجميع صفاته وعوارضه ولكن علماً هو يتصف به في الأزل ولا يختلف مثل أن يعلم مثلاً أن الشمس موجود وأن القمر موجود فإنهما حصلا منه بواسطة الملائكة التي سموها باصطلاحهم عقولاً مجردة، ويعلم أنها تتحرك حركات دورية، ويعلم أن بين فلكيهما تقاطع على نقطتين هما الرأس والذنب وأنهما يجتمعان في بعض الأحوال في العقدتين فينكسف الشمس أي يحول جرم القمر بينهما وبين أعين الناظرين فيستتر الشمس عن الأعين، وأنه إذا جاوز العقدة مثلاً بمقدار كذى وهو سنة مثلاً فإنه ينكسف مرة أخرى وأن ذلك الإنكساف يكون في جميعه أو ثلثه أو نصفه وأنه يمكث ساعة أو ساعتين، وهكذى إلى جميع أحوال الكسوف وعوارضه، فلا يعزب عن علمه شيء ولكن علمه بهذا قبل الكسوف وحالة الكسوف وبعد الانجلاء على وتيرة واحدة لا يختلف ولا يوجب تغيراً في ذاته.

فجميع الحوادث مكشوفة له انكشافاً واحداً لا يؤثر فيه الزمان وكذى علمه بجميع الحوادث فإنها إنما تحدث بأسباب وتلك الأسباب لها أسباب أخر إلى أن تنتهي إلى الحركة الدورية السماوية وسبب الحركة نفس السموات وسبب تحريك النفس الشوق إلى التشبه بالله والملائكة المقربين. فالكل معلوم له أي هو منكشف له انكشافاً واحداً متناسباً لا يؤثر فيه الزمان، ومع هذا فحالة الكسوف لا يقال: إنه يعلم أن الكسوف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015