إلى قيام في الغد إلا بطريق العزم. وإن كانت الإرادة القديمة في حكم عزمنا فليس ذلك كافياً في وقوع المعزوم عليه، بل لا بد من تجدد انبعاث قصدي عند الإيجاد، وفيه قول بتغير القديم.

لماذا يحدث القصد؟

ثم يبقى عين الإشكال في أن ذلك الانبعاث أو القصد أو الإرادة أو ما شئت سمه لم حدث الآن ولم يحدث قبل ذلك؟ فإما أن يبقى حادث بلا سبب أو يتسلسل إلى غير نهاية. ورجع حاصل الكلام إلى أنه وجد الموجب بتمام شروطه ولم يبق أمر منتظر، ومع ذلك تأخر الموجب ولم يوجد في مدة لا يرتقي الوهم إلى أولها بل آلاف سنين لا تنقص شيئاً منها، ثم انقلب الموجب بغتة من غير أمر تجدد وشرط تحقق، وهو محال في نفسه.

قولنا من أين تعرفون الأمر؟ ...

والجواب أن يقال: استحالة إرادة قديمة متعلقة بإحداث شيء أي شيء كان، تعرفونه بضرورة العقل أو نظره؟ وعلى لغتكم في المنطق تعرفون الالتقاء بين هذين الحدين بحد أوسط أو من غير حد أوسط. فإن ادعيتم حداً أوسط وهو الطريق النظري فلا بد من إظهاره، وإن ادعيتم معرفة ذلك ضرورة فكيف لم يشارككم في معرفته مخالفوكم والفرقة المعتقدة بحدث العالم بإرادة قديمة لا يحصرها بلد ولا يحصيها عدد؟ ولا شك في أنهم لا يكابرون العقول عناداً مع المعرفة، فلا بد من إقامة برهان على شرط المنطق يدل على استحالة ذلك، إذ ليس في جميع ما ذكرتموه إلا الاستبعاد والتمثيل بعزمنا وإرادتنا وهو فاسد، فلا تضاهي الإرادة القديمة القصود الحادثة، وأما الاستبعاد المجرد فلا يكفي من غير برهان.

...

من ضرورة العقل

فإن قيل: نحن بضرورة العقل نعلم أنه لا يتصور موجب بتمام شروطه من غير موجب، ومجوز ذلك مكابر لضرورة العقل.

خصومكم يقولون القول نفسه في علم الله

قلنا: وما الفصل بينكم وبين خصومكم إذا قالوا لكم: إنا بالضرورة نعلم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015