تهافت الفلاسفه (صفحة 118)

كل بريء عن المادة عقل بذاته فيعقل نفسه فقد بينا أن ذلك تحكم لا برهان عليه.

قولهم الحي أشرف من الميت

فإن قيل: البرهان عليه أن الموجود ينقسم إلى حي وإلى ميت، والحي أقدم وأشرف من الميت والأول أقدم واشرف، فليكن حياً وكل حي يشعر بذاته إذ يستحيل أن يكون في معلولاته الحي هو لا يكون حياً.

قولنا لم يستحيل كون المعلول أشرف من العلة؟

قلنا: هذه تحكمات فإنا نقول: لم يستحيل أن يلزم مما لا يعرف نفسه ما يعرف نفسه بالوسائط الكثيرة أو بغير واسطة؟ فإن كان المحيل لذلك كون المعلول أشرف من العلة فلم يستحيل أن يكون المعلول أشرف من العلة وليس هذا بديهياً؟

فيكون شرفه لا في معرفة الذات بل في كونه مبدأ لذوات المعرفة

ثم بم تنكرون أن شرفه في أن وجود الكل تابع لذاته لا في علمه؟ الدليل عليه أن غيره ربما عرف أشياء سوى ذاته ويرى ويسمع وهو لا يرى ولا يسمع. ولو قال قائل: الموجود ينقسم إلى البصير والأعمى والعالم والجاهل، فليكن البصير أقدم وليكن الأول بصيراً وعالماً بالأشياء. لكنكم تنكرون ذلك وتقولون: ليس الشرف في البصر والعلم بالأشياء بل في الاستغناء عن البصر والعلم وكون الذات بحيث يوجد منه الكل فيه العلماء وذوو الأبصار. فكذلك لا شرف في معرفة الذات بل في كونه مبدأ لذوات المعرفة وهذا شرف مخصوص به.

الخاتمة ليس هناك دليل على تلك الأمور إن لم تؤخذ إلا من نظر العقل

فبالضرورة يضطرون إلى نفي علمه أيضاً بذاته إذ لا يدل على شيء من ذلك سوى الإرادة ولا يدل على الإرادة سوى حدث العالم. وبفساد ذلك يفسد هذا كله على من يأخذ هذه الأمور من نظر العقل. فجميع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015