فلا قدرة للأول على الكف عن أفعاله تعالى عن قولهم علواً كبيراً وهذا النمط وإن تجوز بتسميته فعلاً فلا يقتضي علماً للفاعل أصلاً.
فإن قيل: بين الأمرين فرق وهو إن صدر الكل عن ذاته بسبب علمه بالكل فتمثل النظام الكلي هو سبب فيضان الكل ولا مبدأ له سوى العلم بالكل والعلم بالكل عين ذاته فلو لم يكن له علم بالكل لما وجد منه الكل بخلاف النور من الشمس.
قلنا: وفي هذا خالفك إخوانك فإنهم قالوا: ذاته ذات يلزم منه وجود الكل على ترتيبه بالطبع والاضطرار لا من حيث أنه عالم بها، فما المحيل لهذا المذهب مهما وافقتهم على نفي الإرادة؟ ولما لم يشترط علم الشمس بالنور للزوم النور بل يتبعه النور ضرورة؟ فليقدر ذلك في الأول ولا مانع منه.
الوجه الثاني هو أنه إن سلم أن صدور الشيء من الفاعل يقتضي العلم أيضاً بالصادر فعندهم فعل الله واحد وهو المعلول الأول الذي هو عقل بسيط فينبغي أن لا يكون عالماً إلا به، والمعلول الأول يكون عالماً أيضاً بما صدر منه فقط فإن الكل لم يوجد من الله دفعة بل بالوساطة والتولد واللزوم، فالذي يصدر مما يصدر منه لم ينبغي أن يكون معلوماً له ولم يصدر منه إلا شيء واحد؟ بل هذا لا يلزم في الفعل الإرادي فكيف في الطبيعي؟ فإن حركة الحجر من فوق جبل قد يكون بتحريك إرادي يوجب العلم بأصل الحركة ولا يوجب العلم بما يتولد منه بوساطته من مصادمته وكسره غيره. فهذا أيضاً لا جواب له عنه.
فإن قيل: لو قضينا بأنه لا يعرف إلا نفسه لكان ذلك في غاية الشناعة فإن غيره يعرف نفسه ويعرفه ويعرف غيره فيكون في الشرف فوقه كيف يكون المعلول أشرف من العلة؟
قلنا: فهذه الشناعة لازمة من مقاد الفلسفة في نفي الإرادة ونفي