الفلاسفة، وينقطع تسلسلها بها. ومن تأمل ما ذكرناه علم عجز كل من يعتقد قدم الأجسام عن دعوى علة لها ولزمه الدهر والإلحاد كما صرح به فريق فهم الذين وفوا بمقتضى نظر هؤلاء.
فإن قيل: الدليل عليه أن هذه الأجسام إما أن كانت واجبة الوجود وهو محال، وإما أن كانت ممكنة وكل ممكن يفتقر إلى علة.
قلنا: لا يفهم لفظ واجب الوجود وممكن الوجود، فكل تلبيساتهم مغباة في هاتين اللفظتين. فلنعدل إلى المفهوم وهو نفي العلة وإثباته، فكأنهم يقولون: هذه الأجسام لها علة أم لا علة لها، فيقول الدهري: لا علة لها، فما المستنكر؟ وإذا عني بالإمكان هذا فنقول: إنه واجب وليس بممكن. وقولهم: الجسم لا يمكن أن يكون واجباً، تحكم لا أصل له.
فإن قيل: لا ينكر أن الجسم له أجزاء وأن الجملة إنما تتقوم بالأجزاء وأن الأجزاء تكون سابقة في الذات على الجملة.
قلنا: ليكن كذلك فالجملة تقومت بالأجزاء واجتماعها ولا علة للأجزاء ولا لاجتماعها بل هي قديمة كذلك بلا علة فاعلية. فلا يمكنهم رد هذا إلا بما ذكروه من لزوم نفي الكثرة عن الموجود الأول وقد أبطلناه عليهم ولا سبيل لهم سواه.
فبان أن من لا يعتقد حدوث الأجسام فلا أصل لاعتقاده في الصانع أصلاً.