ولهذا قال الإمام الشافعي: «اِجْتَمَعَ المُسْلِمُونَ قَدِيمًا وَحَديثًا عَلَى تَثْبِيتِ خَبَرَ الوَاحِدِ وَالاِنْتِهاءِ إِلَيْهِ» (?).
والألفاظ المجملة في القرآن والسنة المتواترة تفصلها سنة الآحاد ولا يمكن أن يقال إنها ليست وحيًا من الله تعالى، فقد حدد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - موضع قطع يد السارق، قطع اليد من الرسغين ولم يقطعهما من الكتف أو مفصل الذراع، فلا يجوز لأحد أن ينسب هذا إلى وضع البشر، ومن هنا قال الفقهاء: إن هذا حكم بالقرآن، وكذلك الحال في الصلوات الخمس والصيام وسائر الأحكام التفصيلية كلها دل عليها القرآن الكريم (?). قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} (?).
لقد ذكر الدكتور عصمت سيف الدولة أن الإجماع والقياس والاستحسان وكل ما جاءت بها من القواعد هي حكم بشري ينسب إلى من اجتهد فوضعه، وهذه المسألة كانت تحتاج إلى تفصيل وإلى تفرقة بين أنواع منها:
1 - إذا أجمع صحابة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على حكم شرعي ورد أصله في القرآن مجملاً، وفي هذا قال الفقهاء: «كُلُّ مَا وُجِدَ فِي القُرْآنِ مِنْ حُكْمٍ مَنُوطٍ بِلَفْظٍ يَشْتَمِلُ عَلَى بَعْضِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَوْ وَرَدَتْ (السُّنَّةُ بِهِ) (فَالوَاجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّ مَا حَصَلَ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ أَوْ وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ) مَأْخُوذٌ مِنْ القُرْآنِ وَأَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِالِاسْمِ الْمَذْكُورِ فِيهِ وَذَلِكَ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] لَمَّا احْتَمَلَ اللَّفْظُ الجِمَاعَ وَاللَّمْسَ بِاليَدِ ثُمَّ رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ الجُنُبَ بِالتَّيَمُّمِ» فَالوَاجِبُ أَنْ يَقْضِيَ بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ} (?)».
هذا والأمر بالتيمم للجنب. رواه النسائي في كتاب الطهارة - باب 92: 1/ 170؛ و" عون المعبود " (**)، كتاب الطهارة، باب 123، 1/ 528. ويدل أيضًا أن المراد باللمس الجماع وليس اللمس باليد، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأُ». فالإجماع هنا ليس اجتهادًا بشريًا.