هذا الرأي لم يكن عند أحد من الصحابة والتابعين (?).

رَابِعًا: رَدُّ العَقْلِ لِلْسُّنَّةِ:

يقول شيخنا في مقاله الأخير: «إن الحديث النبوي له صورتان من الانقطاع. الانقطاع الظاهر: وهو انقطاع السند بسقوط فرد أو أكثر من سلسلة السند، وهو يقضي بعدم حجية الحديث، والانقطاع الباطن: وهو أن يكون سند الحديث متصلاً لكن يقع معناه على خلاف مقتضى العقل، فيكون من أسباب انقطاع معناه وترك العمل به».

ولقد نسب هذه المقولة إلى الخوارج وعززها بقوله: «إن روح العصر الحاضر ومشاعر الناس في هذ الزمن لم تعد تحتمل وقع هذه العقوبة الشنيعة، وأصبح ذلك موضع نقد موجه إلى أحكام الفقه الإسلامي الاجتهادي، لا نقول إلى الشريعة الإسلامية وهو نقد غير مرفوض حتى من وجهة نظر الشريعة نفسها، لأن الشريعة يجب أن تكون فيما لا يصطدم بقطعي، أداة قانونية مرنة موظفة للتعبير عن مشاعر الجماهير المتطورة بتطور العصر».

هذا الذي يؤمن به شيخنا ويدعو المسلمين للإيمان به يحتاج إلى وقفة موضوعية، لأن الإيمان به من شأنه أن يصبح كل من يظن أن عقله قد بلغ مرتبة الاجتهاد حاكمًا على سنة النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيرد ما يشاء منها، ويحل منها ما يشاء ويحرم ما يشاء. وبهذا يصبح عند المسلمين الآلاف من الأرباب الذين يملكون التحليل والتحريم، وهذا ما حذر منه ربنا في القرآن الكريم، وفصله بالسنة النبوية حيث قال النبي لعدي بن حاتم: «أَلْقِ عَنْكَ هَذَا الوَثَنَ» وَكَانَ يَحْمِلُ صَلِيبًا مِنْ ذَهَبٍ، وَجَاءَ يُعْلِنُ إِسْلاَمَهُ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، فَقَالَ عَدِيٌّ: «مَا عَبَدْنَاهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ». فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَمْ يُحِلُّوا لَكُمْ الحَرَامَ فَاتَّبَعْتُمُوهُمْ». قَالَ: «بَلَى»، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَتِلْكَ عِبَادَتُكُمْ إِيَّاهُمْ» (*).

ولسنا ندري ما هو العقل الذي سيحكم على الحديث النبوي بعدم حجيته وعدم جواز العمل به لأن معناه يخالف هذا العقل.

إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بوحي من الله قد أخبرنا أن شؤون الدنيا تخضع لعقول الناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015