(إِبْرَاهِيم بن الْمهْدي بن الْمَنْصُور)
يكنى أَبَا إِسْحَاق، كَانَ شَدِيد سَواد اللَّوْن، وَكَانَ فَاضلا فصيحا، مليح الشّعْر، بُويِعَ لَهُ بالخلافة؛ وَكَانَ السَّبَب أَن الْمَأْمُون بَايع لعَلي بن مُوسَى الرِّضَا بِولَايَة الْعَهْد، فَغَضب بَنو الْعَبَّاس، وَقَالُوا: لَا يخرج الْأَمر من بَين أَيْدِينَا، فَبَايعُوا إِبْرَاهِيم، فَخَطب لَهُ على المنابر، وَغلب على الْكُوفَة والسواد فَتوفي عَليّ بن مُوسَى الرِّضَا، وَقدم الْمَأْمُون فضعف أَمر إِبْرَاهِيم، وتفرق النَّاس عَنهُ، فاستتر فَأَقَامَ كَذَلِك سِتّ سِنِين وَأَرْبَعَة أشهر وَعشرَة أَيَّام، فَلَمَّا ضجر من الاستتار كتب إِلَى الْمَأْمُون: ولي الثأر مُحكم فِي الْقصاص، وَالْعَفو أقرب للتقوى، وَمن تنَاوله الاغترار بِمَا مد لَهُ من أَسبَاب الرَّجَاء أَمن عَادِية الدَّهْر، وَقد جعل اللَّهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ فَوق كل ذِي عَفْو، كَمَا جعل كل ذِي ذَنْب دونه، فَإِن عَفا فبفضله، وَإِن عاقب فبحقه.
فَوَقع الْمَأْمُون على قصَّته أَمَانه، وَقَالَ فِيهَا: الْقُدْرَة تذْهب الحفيظة، وَكفى بالندم إنابة. فَدخل عَلَيْهِ إِبْرَاهِيم فَقَالَ:
(إِن أكن مذنبا فحظي أَخْطَأت ... فدع عَنْك كَثْرَة التأنيب)
(قل كَمَا قَالَ يُوسُف لبني يَعْقُوب ... لما أَتَوْهُ لَا تَثْرِيب)