لقد اختفى إلى غير ظهور الوقت الذي كان فيه علماء النفس يشبهون الطفل بكتلة لينة يمكن للوالدين والمربين تشكيلها على النحو الذي يختارونه، وإن كان ينبغي على كل مجتمع أن يصل إلى ثلاثة حلول لقضايا هامة تواجهه بخصوص الأطفال. هي: طرق رعايتهم، وترسيخ القواعد التي تتحكم في كيفية تفاعلهم مع الآخرين، ونقل المهارات والقيم من الكبار إليهم.
وإزاء المطلب الآخير واجهت المجتمعات مصاعب متباينة، معتمدة في ذلك على عملية تعليم وتعلم تقوم على التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب الأطفال سلوكا ومعايير اتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنهم من مسايرة الجماعة والتوافق الاجتماعي، أي تكسبهم الطابع الاجتماعي وتيسر لهم الاندماج في الحياة الاجتماعية، إن الأمر هنا ينطوي على ما يعرف بعملية التنشئة الاجتماعية "The Socialization Process" أو ما تسمى أحيانا بعملية التطبيع الاجتماعي، تلك العملية التي يتعلم من خلالها الفرد كيف يصبح فردا في أسرته وعضوا في مجتمعه، إنها عملية تعلم القصد منها أن يُنمى لدى الطفل الذي يولد ولديه إمكانيات هائلة ومتنوعة سلوك فعل مقبول، ومعتاد وفق معايير الجماعة التي ينتمي إليها.
ويستعرض أبو القاسم الأصفهاني معنى التنشئة لغويا ... نشأ النشء، والنشأة إحداث الشيء وتربيته، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى} [الواقعة: 62] ويقال: نشأ فلان، والناشئ يراد به الشاب، والإنشاء هو إيجاد الشيء وترتيبه.
وفي سورة الملك: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَار} [الملك: 23] .
وفي سورة المؤمنون: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14] .
وفي سورة العنكبوت: {يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَة} [العنكبوت: 20]
وعموما أي يربى كتربية النشأة، وينشأ أي يتربى.
ويرى Reber أنها العملية التي يصبح بها الفرد واعيا بالقيم والمهارات الاجتماعية، ومكتسبا لحساسية اجتماعية تؤهله إلى كيفية التفاعل مع الجماعة في