يظهر فيه حزن الاستضعاف المكي، ولا نشوة النصر المدني، لا نجد فيه أي حديث يتعلق بآلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفراحه وآماله وتطلعاته، فكما لا يتحدث القرآن عن موت زوجه خديجة وعمه أبي طالب في عام الحزن؛ فإنه لا يذكر شيئاً عن زواجه أو ميلاد أولاده أو وفاتهم أو غير ذلك من الأمور الشخصية المتعلقة بزوجاته أو أصحابه، فالقرآن غير معني بتسجيل السير والحكايات، لذلك لم يرد فيه ذكر اسم زوجة من زوجاته أو ابن من أبنائه وبناته، بل ولا اسم عدو من أعدائه، ولا صاحب من أصحابه، خلا أبا لهب وزيداً - رضي الله عنه -.

بل إن القرآن لم يذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في صفحاته إلا خمس مرات، بينما ذكر عيسى عليه السلام باسمه خمساً وعشرين مرة، وذكر موسى بما يربو على المائة مرة؛ ليبرهن لكل قارئ أنه كتاب الله، وليس كتاب محمد - صلى الله عليه وسلم - (?).

وإذا شئنا مزيداً من البيان فلننظر إلى الكتب التي يؤمن بها اليهود والنصارى اليوم؛ فإنا نجدها مليئة بما يدل على بشريتها، بما تحكيه من هموم البشر وآلامهم وآمالهم ورغباتهم، وذلك باب يطول تتبعه، وحسبك من القلادة ما أحاط العنق.

أرسل يوحنا في رسالته المقدسة عند النصارى كلمات تبين عواطفه ومشاعره الإنسانية، فيقول: " غايس الحبيب الذي أحبه بالحق، أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً ... سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم" (يوحنا (3) 1 - 14).

وأما بولس فكتب إلى صديقه تيموثاوس رسالته التي أضحت عند النصارى جزءاً من كتابهم المقدس، فيقول فيها: "الرداء الذي تركته في تراوس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015