وهكذا فإن إباحة القرآن لتعدد الزوجات صورة من حكمة الله الحكيم، إذ واقع الأرض لا يصلح إلا بمثل هذا التشريع، فعدد نساء البشر اليوم يربو على رجالها بأربعمائة مليون امرأة، مما يجعل تعدد الزوجات ضرورة ملحة لكل مجتمع يخشى الفساد ويحذر الانحلال، لذلك تقول المستشرقة الإيطالية الشهيرة لورافيشيا فاغليري": "إنه لم يَقُم الدليل حتى الآن بأي طريقة مُطْلَقَة على أن تعدد الزوجات هو بالضرورة شرّ اجتماعي وعقبة في طريق التّقدّم .. وفي استطاعتنا أيضا أن نُصرّ على أنه في بعض مراحل التّطور الاجتماعي عندما تنشأ أحوال خاصة بعينها، كأن يُقتل عدد من الذكور ضخم إلى حدّ استثنائي في الحرب مثلاً؛ يُصبح تعدد الزوجات ضرورة اجتماعية" (?).

لكن واقعية الإسلام في إباحة التعدد لم تخلَّ بمثاليته في التشريع، فقد حدده بأربع زوجات فقط؛ حتى يقدر الرجل على الوفاء بحقوقهن، كما سيَّج الإسلام هذه الشرعة وزانها بجملة من الآداب والضوابط، التي تلزم المنصف بتبرئة القرآن من مسؤولية الممارسات الخاطئة التي يقع بها بعض المعددين الذين لم يتأدبوا بآدابه، ولم يفقهوا أن تعدد الزوجات ليس شهوة عابرة، بل هو مزيد من المسئوليات التي يجب على الزوج القيام بها والوفاء بكل متطلباتها المالية والاجتماعية والإنسانية.

ومن آداب الإسلام في هذا الخصوص أنه كتب على الزوج العدل بين نسائه أو الامتناع عن التعدد: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (النساء: 3)، والعدل يشمل السكن والنفقة وغيرها من مستحقات الزوجية.

وحذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من صورة كثيراً ما نراها عند المعددين، وهي الميل إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015