، قَالَ: وأخفى الْأَصْنَاف الصِّنْف الْأَخير الَّذين لم يتعمدوا مَعَ وَصفهم بِالصّدقِ فَإِن الضَّرَر بهم شَدِيد، لدقة اسْتِخْرَاج ذَلِك إِلَّا من الْأَئِمَّة النقاد، وَأما بَاقِي الْأَصْنَاف فَالْأَمْر فيهم أسهل لِأَن كَون تِلْكَ الْأَحَادِيث كذبا لَا تخفى إِلَّا على الأغبياء.
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لما لم يُمكن أحدا أَن يزِيد فِي الْقُرْآن أَخذ أَقوام يزِيدُونَ فِي حَدِيث رَسُول الله ويضعون عَلَيْهِ مَا لم يقل، فَأَنْشَأَ الله عُلَمَاء يَذبُّونَ عَن النَّقْل ويوضحون الصَّحِيح ويفضحون الْقَبِيح وَمَا يخلي الله مِنْهُم عصرا من الْأَعْصَار غير أَنهم قلوا فِي هَذَا الزَّمَان فصاروا أعز من عنقاء مغرب:
(وَقد كَانُوا إِذا عدوا قَلِيلا ... فقد صَارُوا أقل من الْقَلِيل)
قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: " الْمَلَائِكَة حراس السَّمَاء وَأَصْحَاب الحَدِيث حراس الأَرْض، " وَقَالَ يزِيد بن زُرَيْع: " لكل دين فرسَان وفرسان هَذَا الدَّين أَصْحَاب الْأَسَانِيد، " وروينا عَن ابْن الْمُبَارك أَنه قيل لَهُ: هَذِه الْأَحَادِيث الْمَوْضُوعَة؟ فَقَالَ تعيش لَهَا الجهابذة (قلت) وَذكر الْحَافِظ الذَّهَبِيّ فِي طَبَقَات الْحفاظ أَن الرشيد أَخذ زنديقا ليَقْتُلهُ فَقَالَ: أَيْن أَنْت من ألف حَدِيث وَضَعتهَا فَقَالَ: أَيْن أَنْت يَا عَدو الله من أَبى إِسْحَق الْفَزارِيّ وَابْن الْمُبَارك يتخللانها فيخرجانها حرفا حرفا، وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كِتَابه اخْتِلَاف الحَدِيث يمدح أهل الحَدِيث: التمسوا الْحق من وجهته وتتبعوه من مظانه، وتقربوا إِلَى الله باتبَاعهمْ سنَن رَسُول الله وطلبهم لأخباره برا وبحرا وشرقا وغربا، وَلم يزَالُوا فِي التنقير عَنْهَا والبحث لَهَا حَتَّى عرفُوا صحيحها وسقيمها، وناسخها ومنسوخها، وَعرفُوا من خالفها إِلَى الرَّأْي، فنبهوا على ذَلِك حَتَّى نجم الْحق بعد أَن كَانَ عافيا، وبسق بعد أَن كَانَ دارسا، وَاجْتمعَ بعد أَن كَانَ مُتَفَرقًا، وانقاد للسّنة من كَانَ عَنْهَا معرضًا، وتنبه عَلَيْهَا من كَانَ غافلا، وَقد يعيبهم الطاعنون بحملهم الضَّعِيف وطلبهم الْغَرِيب وَفِي الغرائب الدَّاء، وَلم يحملوا الضَّعِيف والغريب لأَنهم رأوهما حَقًا، بل جمعُوا الغث والسمين وَالصَّحِيح والسقيم ليميزوا بَينهمَا ويدلوا عَلَيْهِمَا، وَقد فعلوا ذَلِك فَقَالُوا فِي الحَدِيث الْمَرْفُوع: " شرب المَاء على الرِّيق يعْقد الشَّحْم، " وَحَدِيث ابْن عَبَّاس أَنه " كَانَ يبصق فِي الدواة وَيكْتب مِنْهَا، " موضوعان وضعهما عَاصِم الكوزي، قَالُوا: وَحَدِيث الْحسن " أَن رَسُول الله لم يجز طَلَاق الْمَرِيض، وَضعه سهل السراج، وَسَهل روى