وَقَالَ آخر
(لَو كنت عاتبتي لسكن لوعتي ... أملي رضاك وزرت غير مراقب)
(لَكِن صددت فَمَا لصدك حِيلَة ... صد الملول خلاف صد العاتب)
أَلا ترى كَيفَ قَالَ الله تَعَالَى {لَوْلَا أَن تَدَارُكه نعْمَة من ربه لنبذ بالعراء وَهُوَ مَذْمُوم} مَعْنَاهُ لَوْلَا مَا عصمناه ورحمناه لأتى مَا يذم عَلَيْهِ على أصل الْجَوَاز لَا على فرع الْوُقُوع
وَهَذَا من النمط الَّذِي قدمْنَاهُ فِي قصَّة إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام حَيْثُ قَالَ {واجنبني} وَهِي أَن يعبد الْأَصْنَام وَهُوَ قد أَمن من ذَلِك بالْخبر وَقَوله تَعَالَى فِي قصَّة شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام {وَمَا يكون لنا أَن نعود فِيهَا إِلَّا أَن يَشَاء الله رَبنَا} الْآيَة وَقَوله تَعَالَى لنبينا عَلَيْهِ السَّلَام {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَينَا إِلَيْك} وَهُوَ تَعَالَى لم يَشَأْ ذَلِك بالْخبر
وَأما قَوْله تَعَالَى لنبينا عَلَيْهِ السَّلَام {فاصبر لحكم رَبك وَلَا تكن كصاحب الْحُوت} يَعْنِي كيونس عَلَيْهِ السَّلَام فِي فراره حِين ضَاقَ صَدره كَمَا قدمْنَاهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَلَقَد نعلم أَنَّك يضيق صدرك بِمَا يَقُولُونَ} كَمَا ضَاقَ صدر يُونُس فَلَا تَفِر كفراره
وَلذَا جَاءَ عَنهُ عَلَيْهِ السَّلَام (لَا تفضلُونِي على يُونُس بن مَتى)