وأما زعم أبي تراب أن ابن عمر رضي الله عنهما كان أعلم من أبيه لأنه حفظ ألفي حديث وستمائة وثلاثين وأن أبا هريرة غلب الجميع فله خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة أحاديث فجوابه أن يقال: لا شك أن ابن عمر رضي الله عنهما كان من علماء الصحابة وحفاظهم ولكنه مع ذلك لا يماثل أباه في العلم فضلا عن أن يكون أعلم منه. وكذلك أبو هريرة رضي الله عنه فإنه وإن كان من علماء الصحابة وحفاظهم فليس أعلم من ابن عمر رضي الله عنهما فضلا عن أن يكون أعلم من عمر رضي الله عنه.

وقد تقدم من الأحاديث الدالة على غزارة علم عمر رضي الله عنه ما يكفي في الرد على أبي تراب. وكذلك ما تقدم عن ابن مسعود وحذيفة وسعيد بن المسيب وعمرو بن ميمون وإبراهيم النخعي أنهم وصفوا عمر رضي الله عنه بغزارة العلم ففيه أبلغ رد على أبي تراب.

وقد روى الدارمي في سننه عن عبد الله بن أبي يزيد قال: "كان ابن عباس رضي الله عنهما إذا سئل عن الأمر فكان في القرآن أخبر به وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر به فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر فإن لم يكن قال فيه برأيه".

قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى في ((منهاج السنة)) : "وسعيد بن المسيب كان من أعلم التابعين باتفاق المسلمين وكان عمدة فقهه قضايا عمر وكان ابن عمر يسأله عنها" انتهى.

فهذا حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يفتي بقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيما لم يجده في الكتاب ولا في السنة. وفي هذا أوضح دليل على أنه لم يكن في الصحابة رضي الله عنهم من يماثل أبا بكر وعمر رضي الله عنهما في العلم فضلا عن أن يكون فيهم من هو أعلم منهما. ولو كان الأمر على ما زعمه أبو تراب من أن أبا هريرة رضي الله عنه غلب الصحابة كلهم بعلمه وأن عليا ومعاذا وابن مسعود كانوا أفقه من عمر وأن ابن عمر كان أعلم من أبيه لكان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ بأقوال هؤلاء ويدع قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.

وفيما ذكره شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية رحمه الله تعالى عن سعيد بن المسيب الذي اتفق المسلمون على أنه من أعلم التابعين أن عمدة فقهه قضايا عمر وأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يسأله عنها أبلغ رد على أبي تراب فيما زعمه من تفضيل ابن عمر رضي الله عنهما على أبيه في العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015