إلى قصده ومحبوبه واجبٌ على كل من له حقٌّ عليه، - والعلم رحمٌ بين أهله -، إذ لم يكن أحدٌ من هؤلاء الأئمة معصوما من الزلل، ولا آمنا من مقارفة الخطل، وإن كان ما يتعقب به عليهم لا يساوى شيئا فى جنب ما أحرزوه من الصواب، فشكر الله مسعاهم، وجعل الجنة مأواهم، وألحقنا بهم بواسع إحسانه ومنِّه، وحسبنا أن نسوق على كل مسألة دليلها العلمى حتى لا نرمى بسوء القصد، أو بشهوة النقد.
وأنا عندما نبهت على أشياء ركب فيها بعض المتقدمين أو المتأخرين خلاف الصواب، وتجلد بعضهم فيها، حتى ضاق عطنه عن تحرير الجواب، ما كنت بطاعن فى أحد منهم، ولا قاصد بذلك تنديدا له، وإزراءً عليه، وغضًّا منه، بل استيضاحا للصواب، واسترباحًا للثواب، مع وافر التوقير لهم والإجلال، إذ ((ما نحن فيمن مضى إلا كبقلٍ فى أصول نخلٍ طوالٍ)) (?) وأنا مع وضعى هذا الكتاب، ما أبرىء نفسى ولا كتابى من الخطأ الذى لا يكاد يخلو منه تصنيف، ولا يخلص من توغله تأليفٌ، وأنا أعوذ بالله - بارىء النسم-، من كل ما طغى فيه القلم، وجرى منى على الوهم وأعوذ به من كل متكلف يتتبع فيه علىَّ العثرات، ويحصى ما وقع فيه من الفلتات، وجل همه إظهار الغلطات، وطى الحسنات، مع أنه لو أراد إنسانٌ أن لا يخطىء فى شىء من العلم لما حصل مراده مهما فعل وهيهات، فليس إلى العصمة من الخطأ سبيل، إلا بتفضل رب الأرض والسموات. بل إنى أعترف فيه بكمال القصور، وأسأل الله الصفح عما جرى به القلم بهذه السطور، وأقول للناظر فى كتابى هذا: لا تأخذن فى نفسك على شيئا وجدته فيه مغايرا لفهمك،