قَالَ: «فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذَّنْبَ الْعَظِيمَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ» .

يَعْنِي الْعَظِيمَ التَّجَاوُزَ.

قَالَ: «أَخْبِرْنِي عَنْ ذَنْبِكَ» .

قَالَ: فَإِنِّي أَسْتَحِي مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.

قَالَ: «أَخْبِرْنِي عَنْ ذَنْبِكَ» .

قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُنْتُ رَجُلا نَبَّاشًا، أَنْبِشُ الْقُبُورَ مُنْذُ سَبْعِ سِنِينَ، حَتَّى مَاتَتْ جَارِيَةٌ مِنْ بَنَاتِ الْأَنْصَارِ، فَنَبَشْتُ قَبْرَهَا فَأَخْرَجْتُهَا مِنْ كَفَنِهَا.

فَمَضَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ.

إِذْ غَلَبَ الشَّيْطَانُ عَلَى نَفْسِي فَرَجَعْتُ فَجَامَعْتُهَا.

فَمَضَيْتُ غَيْرَ بَعِيدٍ، إِذْ قَامَتِ الْجَارِيَةُ وَقَالَتْ: وَيْلَكَ يَا شَابُّ أَمَا تَسْتَحِي مِنْ دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ، يَضَعُ كُرْسِيَّهُ لِلْقَضَاءِ وَيَأْخُذُ الْمَظْلُومَ مِنَ الظَّالِمِ.

تَرَكْتَنِي عُرْيَانَةً فِي عَسْكَرِ الْمَوْتَى.

وَأَوْقَفْتَنِي جُنُبًا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

فَوَثَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ: «يَا فَاسِقُ مَا أَحْوَجَكَ إِلَى النَّارِ اخْرُجْ عَنِّي» ، فَخَرَجَ الشَّابُّ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَلَمَّا تَمَّ لَهُ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً، رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقَالَ: يَا إِلَهُ مُحَمَّدٍ وَآدَمَ وَحَوَّاءَ.

إِنْ كُنْتَ غَفَرْتَ لِي فَأَعْلِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَإِلَّا فَأَرْسِلْ نَارًا مِنَ السَّمَاءِ فَأَحْرِقْنِي بِهَا.

وَنَجِّنِي مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ.

قَالَ: فَجَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ رَبُّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ فَقَالَ: " هُوَ السَّلَامُ وَمِنْهُ السَّلَامُ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ السَّلَامُ.

قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْتَ خَلَقْتَ الْخَلْقَ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ الَّذِي خَلَقَنِي وَخَلَقَهُمْ.

قَالَ: يَقُولُ أَنْتَ تَرْزُقُهُمْ؟ قَالَ: بَلِ اللَّهُ يَتُوبُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ.

قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: تُبْ عَلَى عَبْدِي فَإِنِّي تُبْتُ عَلَيْهِ "، فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّابَّ وَبَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَابَ عَلَيْهِ.

يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَعْتَبِرَ بِهَذَا الْخَبَرِ، وَيَعْلَمَ بِأَنَّ الزِّنَى مَعَ الْحَيِّ أَعْظَمُ ذَنْبًا مِنَ الزِّنَى مَعَ الْمَيِّتِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَتُوبَ تَوْبَةً حَقِيقِيَّةً، لِأَنَّ الشَّابَّ لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ تَوْبَتَهُ حَقِيقِيَّةً، تَجَاوَزَ عَنْهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ التَّوْبَةُ عَلَى قَدْرِ الذَّنْبِ

وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8] ، قَالَ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ النَّدَمُ بِالْقَلْبِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015