وَالْعَاشِرُ: نَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ يَأْتِي مِنْ بَابِ الطَّمَعِ، فَقَابَلْتُهُ بِالْإِيَاسِ مِنَ النَّاسِ، وَالثِّقَةِ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ، فَقُلْتُ: بِأَيِّ آيَةٍ أَتَقَوَّى عَلَيْهِ، فَوَجَدْتُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا {2} وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2-3] .
وَذُكِرَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ إِبْلِيسَ، لَعَنَهُ اللَّهُ، جَاءَ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ، فَقَالَ لَهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: وَيْحَكَ مَا تَرْجُو مِنْهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، فَقَالَ: أَرْجُو مِنْهُ مَا رَجَوْتُ مِنْ أَبِيهِ آدَمَ وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ.
وَيُقَالُ: إِذَا حَضَرَ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَمَرَ إِبْلِيسُ جُنُودَهُ بِأَنْ يَتَفَرَّقُوا، وَيَأْتُوا النَّاسَ، ويشغلوهم عَنْ صَلَاتِهِمْ، فَيَجِيءُ الشَّيْطَانُ إِلَى مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ، فَيَشْغَلُهُ لِيُؤَخِّرَهَا عَنْ وَقْتِهَا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، أَمَرَ إِبْلِيسُ بِأَنْ يُوَثَّقَ الشَّيْطَانُ، وَيُقْذَفُ بِهِ فِي الْبَحْرِ، فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُكْرِمُهُ وَيُبَجِّلُهُ، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حِكَايَةً عَنْ إِبْلِيسَ: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16] ، يَعْنِي عَلَى طَرِيقِ الْإِسْلَامِ وَلَأَرْصُدَنَّهُمْ وَلَأَصُدَّنَّهُمْ.
{ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} [الأعراف: 17] ، يَعْنِي مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ حَتَّى أَجْعَلَهُمْ فِي الشَّكِّ {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} [الأعراف: 17] لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمُ الدُّنْيَا حَتَّى يَطْمَئِنُّوا إِلَيْهَا {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ} [الأعراف: 17] يَعْنِي آتِيهِمْ مِنْ جِهَةِ الدِّينِ وَالطَّاعَةِ.
{وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ} [الأعراف: 17] ، يَعْنِي مِنْ جِهَةِ الْمَعَاصِي.
{وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف: 17] ، يَعْنِي عَلَى نِعَمَكَ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أخُرْى: {يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 27] ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268] ، وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6] فَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِبَنِي آدَمَ، وَيُرِيدُ ضَلَالَتَهُمْ لِيَجُرَّهُمْ مَعَ نَفْسِهِ إِلَى النَّارِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي مُجَاهَدَتِهِ لِكَيْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْهُ، فَإِنَّهُ عَدُوٌّ ظَاهِرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِلْمُؤْمِنِ أَيْضًا أَعْدَاءٌ سِوَى الشَّيْطَانِ
952 - كَمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «الْمُؤْمِنُ بَيْنَ خَمْسِ شَدَائِدَ، مُؤْمِنٍ يَحْسُدُهُ، وَمُنَافِقٍ يُبْغِضُهُ، وَعَدُوٍّ يُقَاتِلُهُ، وَشَيْطَانٍ يُضِلُّهُ، وَنَفْسٍ تُغْوِيهِ» يَعْنِي أَنَّ النَّفْسَ مَائِلَةٌ إِلَى مَا هُوَ سَبَبُ ضَلَالَتِهِ وَإِغْوَائِهِ،