وَالْخَامِسُ: أَنْ لَا يُطِيعَ أَحَدًا فِي الْمَعْصِيَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران: 64] ، وَالسَّادِسُ: أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهَوَى نَفْسِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات: 40] ، وَالسَّابِعُ: أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الطَّاعَةِ، وَيَخَافَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَرْجُو ثَوَابَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16] ، فَالْوَاجِبُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَكُونَ خَائِفًا بَاكِيًا فَإِنَّ الْأَمْرَ شَدِيدٌ.
وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، مَرَّ بِقَرْيَةٍ، وَفِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ جَبَلٌ، وَفِي الْجَبَلِ بُكَاءٌ وَانْتِحَابٌ كَثِيرٌ فَقَالَ لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ: مَا هَذَا الْبُكَاءُ وَهَذَا الِانْتِحَابُ فِي هَذَا الْجَبَلِ؟ قَالُوا يَا عِيسَى: مُنْذُ سَكَنَّا هَذِهِ الْقَرْيَةَ نَسْمَعُ هَذَا الْبُكَاءَ، وَهَذَا الِانْتِحَابُ بِهَذَا الْجَبَلُ، فَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا رَبُّ ائْذَنْ لِهَذَا الْجَبَلِ أَنْ يُكَلِّمَنِي، فَأَنْطَقَ اللَّهُ الْجَبَلَ، فَقَالَ: يَا عِيسَى مَا أَرَدْتَ مِنِّي؟ قَالَ: أَخْبِرْنِي بِبُكَائِكَ وَانْتِحَابِكَ مَا هُوَ؟ قَالَ: يَا عِيسَى أَنَا الْجَبَلُ الَّذِي كَانَتْ تَنْحَتُ مِنِّي الْأَصْنَامُ، الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَأَخَافُ أَنْ يُلْقِيَنِي اللَّهُ تَعَالَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة: 24] ، فأوحى الله تعالى إلى عيسى عليه الصلاة والسلام، أَنْ قُلْ لِلْجَبَلِ: اسْكُنْ فَإِنِّي قَدْ أَعَذْتُهُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَالْحِجَارَةُ مَعَ صَلَابَتِهَا وَشِدَّتِهَا، تَخَافُ اللَّهَ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ الْمِسْكِينُ الضَّعِيفُ ابْنُ آدَمَ يَخَافُ مِنَ النَّارِ، وَلَا يَتَعَوَّذُ بِاللَّهِ مِنْهَا، يَا ابْنَ آدَمَ احْذَرْ مِنْهَا، وَإِنَّمَا الْحَذَرُ مِنْهَا بِاجْتِنَابِ الذُّنُوبِ فَإِنَّ الذُّنُوبَ تَسْتَوْجِبُ عَلَى الْعَبْدِ سَخَطَ اللَّهِ تَعَالَى وَعَذَابَهُ، وَلَا طَاقَةَ لَكَ بِعَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
949 - وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ، دَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَنِي نَبِيًّا، وَأَرْسَلَنِي رَسُولًا، وَاخْتَارَكُمْ لِنَبِيِّهِ، وَأَشْهَدَنِي عَلَيْكُمْ، وَأَشْهَدَكُمْ عَلَى الْأُمَمِ السَّابِقَةِ وَالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ» فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ عُرْوَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ نَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ السَّالِفَةِ، وَلَمْ نَكُنْ مِنْهُمْ، وَلَمْ يَكُونُوا فِي زَمَانِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: