فَقَالَتْ لَهُ كَأَنَّكَ لَمْ تَعْمَلْ هَذَا الْعَمَلَ قَطُّ.
قَالَ: لَا.
قَالَتِ الْمَرْأَةُ: مِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ وَمَا اسْمُكَ؟ فَأَخْبَرَهَا أَنَّهُ مِنْ قَرْيَةِ كَذَا، وَاسْمُهُ كَذَا، فَأَذِنَتْ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا وَهُوَ يَدْعُو بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ، وَيَبْكِي عَلَى نَفْسِهِ، وَيَحْثُو التُّرَابَ عَلَى رَأْسِهِ.
فَوَقَعَتِ الَهَيْبَةُ فِي قَلْبِ الْمَرْأَةِ بِبَرَكَةِ ذَلِكَ الْعَابِدِ، فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ أَوَّلُ ذَنْبٍ أَذْنَبَهُ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوْفِ مَا دَخَلَ، وَإِنِّي قَدْ أَذْنَبْتُ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا سَنَةٍ، وَإِنَّ رَبَّهُ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُ هُوَ رَبِّي، فَخَوْفِي مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَشَدَّ، فَتَابَتْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَغْلَقَتْ بَابَهَا عَنِ النَّاسِ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا خَلِقَةً، وَأَقْبَلَتْ عَلَى الْعِبَادَةِ.
وَكَانَتْ فِي عِبَادَتِهَا مَا شَاءَ اللَّهُ.
فَقَالَتْ فِي نَفْسِهَا إِنِّي لَوِ انْتَهَيْتُ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَلَعَلَّهُ يَتَزَوَّجُنِي فَأَكُونُ عِنْدَهُ فَأَتَعَلَّمُ مِنْ أَمْرِ دِينِي وَيَكُونُ عَوْنًا لِي عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَجَهَّزَتْ وَحَمَلَتْ مَعَهَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْخَدَمِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَانْتَهَتْ إِلَى تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَسَأَلَتْ عَنْهُ، فَأُخْبِرَ الْعَابِدُ أَنَّهُ قَدِمَتِ امْرَأَةٌ تَسْأَلُ عَنْهُ، فَخَرَجَ الْعَابِدُ إِلَيْهَا فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ كَشَفَتْ وَجْهَهَا لِيَعْرِفَهَا، فَلَمَّا رَآهَا الْعَابِدُ عَرَفَ وَجْهَهَا وَتَذَكَّرَ الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، فَصَاحَ صَيْحَةً وَخَرَجَتْ رُوحُهُ وَبَقِيَتِ الْمَرْأَةُ حَزِينَةً، وَقَالَتْ: إِنِّي خَرَجْتُ لِأَجْلِهِ وَقَدْ مَاتَ، فَهَلْ مِنْ أَقْرِبَائِهِ أَحَدٌ يَحْتَاجُ إِلَى امْرَأَةٍ؟ فَقَالُوا: إِنَّ لَهُ أَخًا صَالِحًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ، فَقَالَتْ لَا بَأْسَ، وَإِنَّ لِي مِنَ الْمَالِ مَا فِيهِ غُنْيَةٌ فَجَاءَ أَخُوُه فَتَزَوَّجَ بِهَا فَوَلَدَ مِنْهَا سَبْعَةً مِنَ الْبَنِينِ، كُلُّهُمْ صَارُوا أَنْبِيَاءَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.