. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ـــــــــــــــــــــــــــــ

وأما قوله: إنه لم يعلم له شيخ، فما أعرف كيف ذلك نقصا في رجل انتشر علمه وانتهى إلى رتبة بلغ بها أن يصحح ما أبطله غيره ويبطل ما صححه غيره بالأدلة الواضحة والمستندات الراجحة؟ وكم من طالب فاق شيخه، وخادم برّز على أستاذه، وانظر إلى العلماء الكبار المشهورين من أهل الفنون الذين اعترف الناس لهم بأنهم ارتقوا في فنونهم إلى المراتب السنية التي لا تلحق، هل كانوا متقدمين في الذكر على من اشتغلوا عليه وأخذوا عنه أولا؟

والطالب لا بد له من شيخ موفق، ولكن إنما يحتاج إليه في حل الكتاب الذي يقرأه عليه وتبيين المقصود من كل باب من ذلك الكتاب، وتقرير مسائله تصورا وتصديقا بحيث تصير له أهلية لفهم ما يطالعه من كتب ذلك الفن، والتمييز بين الصحيح والفاسد من مسائله، فإذا أعطاه الله تعالى مع ذلك صحة فكر وقوة إدراك واستمر عاكفا

محصلا لما هو بصدده فقد يصل إلى أضعاف ما وصل إليه شيخه، وقد قال المصنف (?): «وإذا كانت العلوم منحا إلهية، ومواهب اختصاصية، فغير مستبعد أن يدخر لبعض المتأخرين ما عسر على كثير من المتقدمين»، ولكن الشيخ - رحمه الله تعالى - كان في خاطره أن النحو الذي وصل إليه المتأخرون من المغاربة كالأستاذ أبي علي الشلوبين وتبّاعه - رحمهم الله تعالى - لم يصل إليه غيرهم، فما رأي كتب المصنف وما أبرزه من النوادر والغرائب والعجائب، ولم يبعد أن حصل في النفس حسد ما، وكأن المصنف استشعر وقوع ذلك فلهذا قال بعد كلامه الذي تقدم (?):

«أعاذنا الله من حسد يسدّ باب الإنصاف، ويصدّ عن جميل الأوصاف».

ولكن الله در أبي تمام الطائي (?) حيث قال:

4079 - وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النّار في ما جاورت ... ما كان يعرف طيب نشر العود (?)

-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015