قيل لَهُ قَوْله تَعَالَى {وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سمعا}

والسمع هَا هُنَا الْقبُول بِاتِّفَاق لِأَن الْكفَّار قد كَانُوا يسمعُونَ مَا يؤمرون بِهِ وَينْهَوْنَ عَنهُ ويدركون دَعْوَة الرُّسُل

وَهُوَ مَحْمُول على تَأْوِيل قَوْلهم فلَان لَا يسمع مَا يُقَال لَهُ وَلَا يسمع مِمَّا نقُوله شَيْئا أَي لَا يقبل ذَلِك

وَلَيْسَ يُرِيدُونَ أَنه لَا يدْرك الْأَصْوَات

وَيدل على ذَلِك أَيْضا قَوْله {وَلنْ تستطيعوا أَن تعدلوا بَين النِّسَاء وَلَو حرصتم}

وَقد أَمر الله بِالْعَدْلِ بَينهُنَّ وأوجبه مَعَ إخْبَاره أَنا لَا نستطيع ذَلِك

وَيدل على صِحَة ذَلِك من الْقَدِيم وَأَنه عدل وَحِكْمَة إخْبَاره عَمَّن أحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ والمدح لَهُ أَنهم رَغِبُوا إِلَيْهِ فِي أَن لَا يحملهم مَا لَا طَاقَة لَهُم بِهِ

فَقَالَ إِخْبَارًا عَنْهُم {رَبنَا وَلَا تحملنا مَا لَا طَاقَة لنا بِهِ}

فَلَو كَانَ تَكْلِيف مَا لَا يُطَاق ظلما وعبثا وقبيحا من الله تَعَالَى لكانوا قد رَغِبُوا إِلَيْهِ فِي أَن لَا يظلمهم وَلَا يسفه عَلَيْهِم وَلَا يُوجب من الْأَوَامِر مَا يخرج بِهِ عَن حد الْحِكْمَة

وَالله أجل من أَن يثني على قوم أَجَازُوا ذَلِك عَلَيْهِ

فَدلَّ هَذَا أَيْضا على مَا وصفناه

بَاب

فَإِن قَالَ قَائِل وَهل يحسن مثل هَذَا التَّكْلِيف منا أَو يسوغ لنا قيل لَهُ أجل لأَنا قد نكلف الْقَاعِد الْقيام وَالتَّصَرُّف فِي حَال قعوده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015