{فَأَخَذتهم الصاعقة} الدّلَالَة على إِحَالَة رُؤْيَته تَعَالَى لِأَن نفي الشَّيْء لَا يدل على استحالته
لِأَنَّهُ قد ينفى عَنهُ الْجَائِز أَحْيَانًا وينفى المستحيل الْمُمْتَنع فِي صفته
وَلما صَحَّ أَن قَوْله {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} يَقْتَضِي النّظر إِلَيْهِ بالأبصار لِأَن النّظر فِي كَلَام الْعَرَب يحْتَمل وُجُوهًا مِنْهَا نظر الِانْتِظَار وَمِنْهَا الْفِكر وَالِاعْتِبَار وَمِنْهَا الرَّحْمَة والتعطف وَمِنْهَا الْإِدْرَاك بالأبصار وَإِذا قرن النّظر بِذكر الْوَجْه وعدي بِحرف الْجَرّ وَلم يضف الْوَجْه إِلَى قَبيلَة وعشيرة الْوَجْه الْجَارِحَة الَّتِي تُوصَف بالنضارة الَّتِي تخْتَص بِالْوَجْهِ الَّذِي فِيهِ العينان فَمَعْنَاه رُؤْيَة الْأَبْصَار
أَلا ترى إِلَى قَوْله عز وَجل {فَانْظُر إِلَى طَعَامك وشرابك لم يتسنه} أَي اُنْظُرْهُ بِعَيْنِك
وَلما لم يرد بقوله تَعَالَى {فناظرة بِمَ يرجع المُرْسَلُونَ} نظر الْعين لم يعده ب إِلَى وَلَا قرنه بِالْوَجْهِ
وَكَذَلِكَ قَوْله {مَا ينظرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة} لما أَرَادَ بِهِ الِانْتِظَار دون نظر الْأَبْصَار لم ينطه بِالْوَجْهِ وَلَا عداهُ ب إِلَى
قَالَ الشَّاعِر
(فَإِن يَك صدر هَذَا الْيَوْم ولى ... فَإِن غَدا لناظره قريب) فَلم يقرن النّظر بِذكر الْوَجْه وَلَا عداهُ ب إِلَى لما أَرَادَ الِانْتِظَار