قال: وجميع هذه الأَشياءِ المخوفة تكون مخوفة أَكثر إِذا كان الفساد الواقع عن ذلك الشيء المخوف مما لا يمكن أَن يتلافى فساده، لكن يكون إِفساده إِفساداً بالكلية، ولا سيما إِذا كان المفسد لا يمكن أَن يكافأَ على إِفساده بأَن تنزل به الأَضداد التي هي مكروهة عنده. والذين لا يجد الإِنسان عليهم ناصراً، فخوفه منهم أَشد. وبالجملة: فالشرور المخوفة هي الشرور التي تحدث بآخرين، إِذا كان حدوثها بأُولئك الآخرين مما يخيل وقوعها بالمرءِ، وذلك لموضع التشابه الذي بينه وبين أُولئك الآخرين الذين نزل بهم الشر. مثال ذلك أَن الشاب إِنما يجزع من الموت إِذا رآه قد نزل بشاب آخر مثله، لا إِذا رآه قد نزل بشيخ أَو بكهل.
قال: وهذا الذي ذكرنا من جزئيات الأُمور المخوفة والأُمور التي هي أَشد مخافة وأَعظم هو قريب من أَن يكون يأْتى على جميعها إِلا اليسير الذي يمكن الإِنسان أَن يأْتى به من تلقائه.
قال: فأَما أَي الأَحوال هي أَحوال الناس التي إِذا وجدت لهم، كانوا خائفين فنحن الآن مخبرون عنها، فنقول: إِن الخوف هو توقع المرء أَن يمسه شر مفسد. وهذا معلوم بنفسه. فإِنه ليس أَحد يظن أَنه لا يناله شر فيخاف أَصلا، ولا إِن ظن بالشرور أَنها لا تناله يخاف أَصلا منها. ولا يخاف أَصلا من الناس الذين يظن بهم أَنه لا يناله منهم شر أَصلا. ولا يخاف أَيضا في الوقت الذي لا يظن أَنه يلحقه فيه شر. وإِذا كان ذلك كذلك، فالخوف ضرورةً إِنما يكون للذين يظنون أَنهم تنالهم شرور، ومن الشرور التي يظنون أَنها تنالهم، وعند الناس الذين يظنون أَنهم ينالونهم بذلك، وفي الوقت الذي يظنون لحوق الشر لهم وتأْثيره فيهم. وإِذا كان الخائفون هم هؤلاءِ بالجملة، فمن البيّن أَن الذين يظنون أَنهم لا ينالهم شر هم المصححو الأَبدان، الحسنة أَحوالهم جدا من قبل الأَشياءِ التي من خارج. والذين يظنون أَيضا بأَنفسهم أَنهم بهاتين الحالتين وإِن لم يكونوا كذلك، أَعني صحة البدن وموافقة الأَشياءِ التي من خارج وحسن أَحوالهم بها.
قال: ولذلك ما يوجد هذا الصنف من الناس شتامين جائرين متهورين. وسبب هذا الظن يكون إِما في الصحة فمن الشباب والشدة، وذلك أَن الشاب والشديد يظن بنفسه أَنه مصحح، وإِن لم يكن كذلك؛ وإِما في حسن الحال من قبل الأَشياءِ التي من خارج، فيعرضُ هذا الظن من أَمرين أَيضا: من العدة ومن كثرة الأَصحاب. وأَضداد هؤلاءِ هم الذين قد أَشعروا أَنفسهم أَنهم يلقون كل بلاء، فهم ضعفاء عند الشرور المتوقعة كضعف الذين نزل بهم الشر بالفعل، ولكن على حال؛ فهؤلاءِ يوجد لهم رجاء في الخلاص، فهم يسعون في حصوله. ومن العلامة الدالة على ذلك أَنهم يحتاجون عند الخوف إِلى المشاورة. وليس أَحد يستشير فيما لا يخاف، ولا فيما يخاف ولا يرجو الخلوص منه. ولذلك حَدَّ الخوف الذي يكف به الخائف عن الفعل الذي قصد به كفه عنه هو الخوف الذي يقترن به رجاءُ الخلوص من ذلك الشر المخوف، وهو الخوف الذي ينتفع به في هذه الصناعة، أَعني الذي ينبغي للخطيب أَن يمكنه في نفس الذي يريد أَن يخيفه، أَعني الحاكم أَو السامع. وذلك إِذا أَثبت عندهم أَنهم ممن ينالهم الشر أَو تصيبهم المصائب من خصمه، مثل أَن يقول لهم: إِن آخرين قد لقوا ذلك منه من نظرائهم وأَشباههم، وإِنه كثيرا ما تلقى الشرور من الأَشياءِ التي لا يظن بها أَنها شرور، أَو من الشرور التي يظن بها الإِنسان أَنها لا تناله، أَو من الناس الذين لا يظن بهم ذلك، أَو في الوقت الذي لا يظن ذلك فيه، وما أَشبه هذا من الأَقاويل.
فقد تبين من هذا القول ما هو الخوف والأُمور الفاعلة له والناس المستعدون لهذا الانفعال.
قال: وقد ينبغي أَيضا أَن نخبر ما هي الشجاعة وما الأَشياءُ الفاعلة لها وأَي الأَحوال التي إِذا وجدت في الناس كانوا بها مستعدين لقبول هذا الانفعال، أَعني شجعانا.