قال: والأَصدقاءُ قد يُغضب عليهم إِذا لم يقولوا في أَصدقائهم قولا جميلا عندما ينالهم مكروه، أَو يمتعضون إِذا ذكروا بسوء. وأَكثر من ذلك إِذا لم يحسنوا إِليهم إِذا مستهم حاجة أَو لم يألموا بما نزل بهم من المكروه، ولذلك قيل:
يواسيك أَو يسليك أَو يتفجع.
وإِنما يغضب على هؤلاءِ عدم الارتماض بالمكروه الذي وقع بهم يدل على الاستهانة بهم. وذلك أَن من المعلوم أَن الإِنسان يغضب إِذا أُوذي من يعتني به، وكذلك يغضب على الصديق الذي يتهم صديقه ويسيء الظن به، وعلى الذي يتهاون بما بلغه عنه من قول، لأَنهم في هذه الأَحوال يشبهون الأَعداءَ. وذلك أَن الأَعداءَ هم الذين لا يمتعضون للمكروه الذي ينزل بعدوهم ولا يسوءهم الشر النازل بهم. وأَما الأَصدقاءُ فيمضهم السوء النازل بإِخوانهم ويتفجعون لذلك ويجزعون.
قال: وقد يغضب على الذين يتهاونون بأُمور خارجة عن الإِنسان، وتلك هي خمسة أَصناف: أَحدها الذين يتهاونون بالذي تكرمه أَنت، فإِنك تغضب عليهم. والثاني أَن يتهاون بالذي هو عندك متعجب منه ولا يتعجب منه. والثالث أَلا يتعجب مما تحب أَنت أَن يكون متعجبا منه، وإِن لم يكن كذلك. والرابع أَن يتهاون بالناس الذين تتعجب منهم أَو الذين يتعجبون منك. والخامس أَلا يستحي المرءُ من الأَشياءِ التي تستحي منها وتحتقرها.
قال: وإِنما يشتد الغضب على الذين يتهاونون بهذه الأَصناف الخمسة، لأَن الناس يرون فيهم أَنهم لا يعاونونهم على فعل الجميل ولا يؤازرونهم، فيغضبون عليهم. وهذا الغضب مثل غضب الآباءِ على الأَبناءِ، أَعني أَنه إِنما يغضبون من جهة أَنهم غير معاونين لهم على فعل الجميل. وقد يكون الغضب على الذين يظن بهم أَنهم يتهاونون بواحد من هذه الأَصناف الخمسة، وإِن لم يكن الأَمر كذلك في الحقيقة، وذلك يعرض كثيرا للنساءِ ذوات الرياسات مع الذين يرأَسن عليهم لضعف تدبيرهن.
قال: ومما يفعل الغضب أَيضا النسيان للأَشياءِ المهمة عندك حفظها، كما يعرض كثيرا للمرءِ أَن يغضب على من ينسى اسمه، ومثل ما يعرض من نسيان الأُمور الهينة الحفظ التي تهم. وإِنما كان النسيان مغضبا لأَنه يرى أَن سببه هو التهاون بالشيءِ المنسي. والذين يبتدئون بالإِحسان فلا يكافأون، قد يغضبون أَيضا على الذين لا يكافئونهم بالواجب. فإِن النقصان من الواجب إِنما يحمل عليه التهاون. والذين يهزلون في الشيءِ الذي تجِدُّ فيه أَنت تغضب عليهم. وإِذا كان بعض من تعرفه من الناس يحسن إِلى غيرك ولا يحسن إِليك، فإِنك تغضب عليه.
فقد تبين من هذا القول من الناس المعدون لأَن يغضبوا ولأَن يغضب عليهم، وما الأَشياءُ الفاعلة للغضب، وهي الأَشياءُ التي إِذا وجدت للمرءِ أَثبت بها أَن المرءَ قد غضب. ومن هذه الأَشياء الثلاثة بعينها تؤخذ مسكنات الغضب أَو فاعلات الغضب. فإِن أَضداد الأَشياء الفاعلة للغضب إِذا أُثبتت لشخص ما إِما أَن يسكن عنه الغضب وإِما أَن توجب الرضى عنه. وكذلك إِذا وجدت للمرءِ أَضداد الأَحوال التي يكون بها معداً لأَن يغضب عليه بها، سهل سكون الغضب عنه أَو وجود الرضى عنه. وكذلك إِذا وجدت للمرءِ أَضداد الأَحوال التي بها يكون غضوبا سهل قبوله للرضى أَو لسكون الغضب عنه. فإَِن الغضب له ضدان: أَحدهما عدمه، والآخر ضده وهو الرضى. ولكن أَرسطو في هذا الموضع مع تعريفه بهذا يأْتي بالأَشياءِ المسكنة للغضب على جهة الارتياض.
قال: ومن أَجل أَن ضد الغضب هو سكون الغضب، فقد ينبغي أَن ننظر من أَمر سكون الغضب في أَضداد تلك الأَشياءِ الثلاثة التي ذكرناها، أَعني بأَية حال يكون الناس الذين يسهل سكون غضبهم، وبأَية حالة يكون الناس الذين يسهل سكون الغضب عليهم، وأَما الأَشياء المسكنة للغضب.