النهي كان شاملا للرجال والنساء معا فلما قال: كنت نهيتكم عن زيارة القبور كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الأمر من نهي الجنسين فإذا كان الأمر كذلك كان لزاما أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله: فزوروها إنما أراد به الجنسين أيضا.

ويؤيده أن الخطاب في بقية الأفعال المذكورة في روايته: ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا.

أقول: فالخطاب في جميع هذه الأفعال موجه إلى الجنسين قطعا كما هو الشأن في الخطاب الأول: كنت نهيتكم فإذا قيل بأن الخطاب في قوله: فزوروها خاص بالرجال اختل نظام الكلام وذهبت طلاوته الأمر الذي لا يليق إلصاقه بمن أوتي جوامع الكلم ومن هو أفصح من نطق بالضاد صلى الله عليه وسلم ويزيده تأييدا الوجوه الآتية:

الثاني: مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور: فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة.

الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص لهن في زيارة القبور في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

1- عن عبد الله بن أبي مليكة:

أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر فقلت: لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها: أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم: ثم أمرنا بزيارتها.

وفي رواية عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور.

2 - عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015