وقال في الثانية: {أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} وهذا كان مذهب أكثر الجاهلية قَالَ قائلهم:
يخبرنا الرسول بأن سنحيى ... وَكَيْفَ حياة أصداء وهام
وقال آخر: هو أَبُو العلاء المعري:
حياة ثم موت ثم بعث ... حديث خرافة يا أم عمرو
والجواب عَنْ شبهتهم الأولى أن ضعف المادة فِي الثاني وَهُوَ التراب يدفعه كون البداية من نطفة ومضغة وعلقة ثم أصل الآدميين وَهُوَ آدم من تراب عَلَى أن اللَّه سبحانه تعالى لم يخلق شيئا مستحسنا إلا من مادة سخيفة فإنه أخرج هذا الآدمي من نطفة والطاووس من البيضة المدرة والطرفة الخضراء من الحبة العفنة فالنظر ينبغي أن يكون إِلَى قوة الفاعل وقدرته لا إِلَى ضعف المواد وبالنظر إِلَى قدرته يحصل جواب الشبهة الثانية ثم قد أرانا كالأنموذج فِي جمع التمزق فان سحالة1 الذهب المتفرقة فِي التراب الكثير إذا ألقى عليها قليل من زئبق أجتمع الذهب مَعَ تبدده فكيف بالقدرة الإلهية التي من تأثيرها خلق كل شيء لا من شيء عَلَى أنا لو قدرنا أن نحيل هَذَا التراب مَا استحالت إليه الأبدان لم يصر بنفسه لأن الآدمي بنفسه لا ببدنه فإنه ينحل ويسمن ويهزل ويتغير من صغر إِلَى كبر وَهُوَ هو ومن أعجب الأدلة عَلَى البعث أن اللَّه عز وجل قد أظهر عَلَى يدي أنبيائه مَا هو أعظم من البعث وَهُوَ قلب العصا حية حيوانا وأخرج ناقة من صخرة وأظهر حقيقة البعث عَلَى يدي عِيسَى صلوات اللَّه وسلامه عَلَيْهِ قَالَ المصنف وَقَدْ زدنا هَذَا شرحا فِي الرد على الفلاسفة.
فصل: وقد لبس إبليس عَلَى أقوام شاهدوا قدرة الخالق سبحانه وتعالى ثم اعترضت لهم الشبهتان اللتان ذكرناهما فترددوا فِي البعث فَقَالَ قائلهم: {وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} وقال العاص بْن وائل: {لَأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} وإنما قالوا هَذَا لموضع شكهم وَقَدْ لبس إبليس عليهم فِي ذلك فقالوا إن كان بعث فنحن عَلَى خير لأن من أنعم علينا فِي الدنيا بالمال لا يمنعناه في الآخرة.