قال المصنف: قد لبس عليهم فِي أشياء كثيرة نذكر منها نبذة ليستدل بِهَا عَلَى تلك فمن ذلك تشبيههم الخالق بالخلق ولو كان تشبيههم حقا لجاز عَلَيْهِ مَا يجوز عليهم وحكى أَبُو عَبْد اللَّهِ بْن حامد من أصحابنا أن اليهود تزعم أن الإله المعبود رجل من نور عَلَى كرسي من نور عَلَى رأسه تاج من نور وله أعضاء كَمَا للآدميين ومن ذلك قولهم عزير بن الله ولو فهموا أن حقيقة البنوة لا تكون إلا بالتبعيض والخالق ليس بذي أبعاض لأنه ليس بمؤلف لم يثبتوا بنوة ثم أن الولد فِي معنى الوالد وَقَدْ كان عزير لا يقوم إلا بالطعام والإله من قامت به الأشياء لا من قَامَ بِهَا والذي دعاهم إِلَى هَذَا مَعَ جهلهم بالحقائق أنهم رأوه قد عاد بعد الموت وقرأ التوراة من حفظه فتكلموا بذلك من ظنونهم الفاسدة ويدل عَلَى أن القوم كانوا فِي بعد من الذهن انهم لما رأوا أثر القدرة فِي فرق البحر لهم ثم مروا عَلَى أصنام طلبوا مثلها فقالوا اجْعَلْ لَنَا آلهة كما لهم آلهة فلما زجرهم مُوسَى عَنْ ذلك بقي فِي نفوسهم فظهر المستور بعبادتهم العجل والذي حملهم عَلَى هَذَا شيئان أحدهما جهلهم بالخالق والثاني أنهم أرادوا مَا يَسْكُن إليه الحس لغلبة الحس عليهم وبعد العقل عنهم ولولا جهلهم بالمعبود ما اجترأوا عَلَيْهِ بالكلمات القبيحة كقولهم: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} وقولهم: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} تعالى اللَّه عَنْ ذلك علوا كبيرا.
ومن تلبيسه عليهم أنهم قالوا لا يجوز نسخ الشرائع وَقَدْ علموا أن من دين آدم جواز نكاح الأخوات وذوات المحارم والعمل فِي يوم السبت ثم نسخ ذلك بشريعة مُوسَى قالوا إذا أمر اللَّه عز وجل بشيء كان حكمه فلا يجوز تغييره قلت قد يكون التغيير فِي بعض الأوقات حكمة فَإِن تقلب الآدمي من صحة إِلَى مرض ومن مرض إِلَى موت كله حكمة وَقَدْ حظر عليكم العمل يوم السبت وأطلق لكم العمل يوم الأحد وهذا من جنس مَا أنكرتم وَقَدْ أمر اللَّه عز وجل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السلام بذبح ابنه ثم نهاه عَنْ ذلك.
ومن تلبيسه عليهم أنهم قالوا: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً} وهي الأيام التي عَبْد فيها