لو لم يضعوا طريقة يجتذبون بِهَا قلوب أمثالكم لم يدم لهم عيش والذي وصفتهم به رهبانية النصرانية ولو رأيت نظافة أهل التطفيل على المواتد ومخانيث بغداد ودماثة المغنيات لعلمت أن طريقهم طريقة الفكاهة والخداع وهل يخدع الناس إلا بطريقة أَوْ لسان فَإِذَا لم يكن للقوم قدم فِي العلم
ولا طريقة فبم ذا يجتذبون به قلوب أرباب الأموال واعلم أن حمل التكليف صعب ولا أسهل عَلَى أهل الخلاعة من مفارقة الْجَمَاعَة ولا أصعب عليهم من حجر ومنع صدر من أوامر الشرع ونواهيه وما عَلَى الشريعة أضر من المتكلمين والمتصوفين فهؤلاء يفسدون عقائد الناس بتوهيمات شبهات العقول وهؤلاء يفسدون الأعمال ويهدمون قوانين الأديان يحبون البطالات وسماع الأصوات وما كان السلف كذلك بل كانوا فِي باب العقائد عُبَيْد تسليم وفي الباب الآخر أرباب جد قَالَ ونصيحتي إِلَى إخواني أن لا يقرع أفكار قلوبهم كلام المتكلمين ولا تصغي مسامعهم إِلَى خرافات المتصوفين بل الشغل بالمعاش أولى من بطالة الصوفية والوقوف عَلَى الظواهر أحسن من توغل المنتحلة وَقَدْ خبرت طريقة الفريقين فغاية هؤلاء الشك وغاية هؤلاء الشطح.
قال ابْن عقيل والمتكلمون عندي خير من الصوفية لأن المتكلمين قد يزيلون الشك والصوفية يوهمون التشبيه فأكثر كلامهم يشير إِلَى إسقاط السفارة والنبوات فَإِذَا قالوا عَنْ أصحاب الحديث قالوا أخذوا علمهم ميتا عَنْ ميت فقد طعنوا فِي النبوات وعولوا عَلَى الواقع ومتى أزرى عَلَى طريق سقط الأخذ به ومن قَالَ حَدَّثَنِي قلبي عَنْ ربي فقد صرح انه غني عَنِ الرسول ومن صرح بذلك فقد كفر فهذه كلمة مدسوسة فِي الشريعة تحتها هذه الزندقة ومن رأيناه يزري عَلَى النقل علمنا أنه قد عطل أمر الشرع وما يؤمن هَذَا القائل حَدَّثَنِي قلبي عَنْ ربي أن يكون ذلك من إلقاء الشياطين فقد قَالَ اللَّه عز وجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ} وهذا هو الظاهر لأنه ترك الدليل المعصوم وعول عَلَى مَا يلقي فِي قلبه الذي لم يثبت حراسته من الوساوس وهؤلاء يسمون مَا يقربهم خاطرا قَالَ والخوارج عَلَى الشريعة كثير إلا أن اللَّه عز وجل يؤيدها بالنقلة الحفاظ الذابين عَنِ الشريعة حفظها لأصلها وبالفقهاء لمعانيها وهم سلاطين العلماء لا يتركون لكذاب رأسا ترتفع.
قال ابْن عقيل والناس يقولون إذا أحب اللَّه خراب بيت تاجر عاشر الصوفية قَالَ وأنا أقول وخراب دينه لأن الصوفية قد أجازوا لبس النساء الخرقة من الرجال الأجانب فَإِذَا حضروا السماع والطرب فربما جرى فِي خلال ذلك مغازلات واستخلاء بعض الأشخاص ببعض.