لرجل لولا أني غضبان لعاقبتك وإنما أراد أنك أغضبتني فخفت أن تمتزج العقوبة من غضب اللَّه ولي
فصل فأما إذا كان الآمر بالمعروف جاهلا فان الشَّيْطَان يتلاعب به وإنما كان إفساده فِي أمره أكثر من إصلاحه لأنه ربما نهى عَنْ شيء جائز بالإجماع وربما أنكر مَا تأول فيه صاحبه وتبع فيه بعض المذاهب وربما كسر الباب وتسور الحيطان وضرب أهل المنكر وقذفهم فان أجابوه بكلمة تصعب عَلَيْهِ صار غضبه لنفسه وربما كشف مَا قد أمر الشرع بستره وَقَدْ سئل أَحْمَد بْن حنبل عَنْ القوم يكون معهم المنكر مغطى مثل طنبور ومسكر قَالَ إذا كان مغطى فلا تكسره وقال فِي رواية أخرى اكسره وهذا محمول عَلَى أنه يكون مغطى بشيء خفيف يصفه فيتبين والأولى عَلَى أنه لا يتبين وسئل عَن الرَّجُل يسمع صوت الطبل والمزمار ولا يعرف مكانه فَقَالَ ولا عليك مَا غاب عنك فلا تفتش وربما رفع هَذَا المنكر أهل المنكر إِلَى من يظلمهم وَقَدْ قَالَ أَحْمَد بْن حنبل إن علمت أن السلطان يقيم الحدود فارفع إليه.
فصل: ومن تلبيس إبليس عَلَى المنكر أنه إذا أنكر جلس فِي مجمع يصف مَا فعل ويتباهى به ويسب أصحاب المنكر سب الحنق عليهم ويلعنهم ولعل القوم قد تابوا وربما كانوا 2خيرا مِنْهُ لندمهم وكبره ويندرج فِي ضمن حديثه كشف عورات المسلمين لأنه يعلم من لا يعلم والستر عَلَى المسلم واجب مهما أمكن وسمعت عَنْ بعض الجهلة بالإنكار أنه يهجم عَلَى قوم مَا يتيقن مَا عندهم ويضربهم الضرب المبرح ويكسر الأواني وكل هَذَا يوجبه الجهل فأما العالم إذا أنكر فأنت مِنْهُ عَلَى أمان وَقَدْ كان السلف يتلطفون فِي الإنكار ورأى صلة بْن أشيم رجلا يكلم امرأة فَقَالَ إن اللَّه يراكما سترنا اللَّه وإياكما وكان يمر بقوم يلعبون فيقول يا إخواني ما تقولون ف2يمن أراد سفرا فنام طول الليل ولعب طول النهار متى يقطع سفره فانتبه رجل منهم فَقَالَ يا قوم إنما يعلمنا هَذَا فتاب وصحبه.
فصل: وأولى الناس بالتلطف فِي الإنكار عَلَى الأمراء فيصلح أن يقال لهم إن اللَّه قد رفعكم فاعرفوا قدر نعمته فَإِن النعم تدوم بالشكر فلا يحسن أن تقابل بالمعاصي.
فصل: وقد لبس إبليس عَلَى بعض المتعبدين فيرى منكرا فلا ينكره ويقول إنما يأمر وينهي من قد صلح وأنا ليس بصالح فكيف آمر غيري وهذا غلط لأنه يجب عَلَيْهِ أن يأمر وينهي ولو كانت تلك المعصية فيه إلا أنه متى أنكر متنزها عَن المنكر أثر إنكاره وإذا لم يكن متنزها لم