بدعة أَوْ أنه غير مأمون عَلَى حرم المسلمين صرفته عنه بأحسن صرف أَوْ يجيئك رجل آخر فيقول لك أريد أن أودع مالي فلانا وليس ذلك الرَّجُل موضعا للأمانة فتصرفه عنه بأحسن الوجوه أَوْ يَقُول لك رجل أريد أن أصلي خلف فلان أَوْ أجعله إمامي فِي علم فتصرفه عنه بأحسن الوجوه ولا تشف غيظك من غيبته.
وأما منبع الغيبة من القراء والنساك فمن طريق التعجب يبدي عوار الأخ ثم يتصنع بالدعاء فِي ظهر الغيب فيتمكن من لحم أخيه المسلم ثم يتزين بالدعاء لَهُ وأما منبع الغيبة من الرؤساء والأساتذة فمن طريق إبداء الرحمة والشفقة حتى يَقُول مسكين فلان ابتلى بكذا وامتحن بكذا نعوذ بالله من الخذلان فيتصنع بإبداء الرحمة والشفقة عَلَى أخيه ثم يتصنع بالدعاء لَهُ عند إخوانه ويقول إنما أبديت لكم ذاك لتكثروا دعاءكم لَهُ ونعوذ بالله من الغيبة تعريضا أَوْ تصريحا فاتق الغيبة فقد نطق القرآن بكراهتها فَقَالَ عز وجل: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} وَقَدْ روي عَن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذلك أخبار كثيرة.
ومن تلبيس إبليس عَلَى علماء المحدثين رواية الحديث الموضوع من غير أن يبينوا أنه موضوع وهذه جناية منهم عَلَى الشرع ومقصودهم ترويج أحاديثهم وكثرة رواياتهم وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من روى عني حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ومن هَذَا الفن تدليسهم فِي الرواية فتارة يَقُول أحدهم فلان عَنْ فلان أَوْ قَالَ فلان عَنْ فلان يوهم أنه سمع مِنْهُ المنقطع ولم يسمع وهذا قبيح لأنه يجعل المنقطع فِي مرتبة المتصل ومنهم من يروي عَن الضعيف والكذاب فينفي اسمه فربما سماه بغير اسمه وربما كناه وربما نسبه إِلَى جده لئلا يعرف وهذه جناية عَلَى الشرع لأنه يثبت حكما بما لا يثبت به فأما إذا كان المروي عنه ثقة فنسبه إِلَى جده أَوْ أقتصر عَلَى كنيته لئلا يرى أنه قد ردد الرواية عنه أَوْ يكون المروي عنه فِي مرتبة الراوي فيستحي الراوي من ذكره فهذا عَلَى الكراهة والبعد من الصواب قريب بشرط أن يكون المروي عنه ثقة وَاللَّه الموفق.