قَالَ المصنف: اعلم أن إبليس يدخل عَلَى الناس فِي التلبيس من طرق منها ظاهر الأمر ولكن يغلب الإنسان فِي إيثار هواه فيغمض عَلَى علم يذلله ومنها غامض وَهُوَ الذي يخفى عَلَى كثير من العلماء ونحن نشير إِلَى فنون من تلبيسه يستدل بمذكورها عَلَى مغفلها إذ حصر الطرق يطول وَاللَّه العاصم.
فمن ذلك أن أحدهم يشتغل بالقراآت الشاذة وتحصيلها فيفني أكثر عمره فِي جمعها وتصنيفها والأقراء بِهَا ويشغله ذلك عَنْ معرفة الفرائض والواجبات فربما رأيت إمام مسجد يتصدى للأقراء ولا يعرف مَا يفسد الصلاة وربما حمله حب التصدر حتى لا يرى بعين الجهل عَلَى أن يجلس بين يدي العلماء ويأخذ عنهم العلم1 ولو تفكروا لعلموا أن المراد حفظ القرآن وتقويم ألفاظه ثم فهمه ثم العمل به ثم الإقبال عَلَى مَا يصلح النفس ويطهر أخلاقها ثم التشاغل بالمهم من علوم الشرع ومن الغبن الفاحش تضييع الزمان فيما غيره الأهم قَالَ الْحَسَن البصري أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملا يعني أنهم اقتصروا عَلَى التلاوة وتركوا العمل به ومن ذلك أن أحدهم يقرأ فِي محرابه بالشاذ ويترك المتواتر المشهور والصحيح عند العلماء أن الصلاة لا تصح بهذا الشاذ وإنما مقصود هَذَا إظهار الغريب لاستجلاب مدح الناس وإقبالهم عَلَيْهِ وعنده أنه متشاغل بالقرآن ومنهم من يجمع القراآت فيقول ملك مالك ملاك وهذا لا يجوز لأنه إخراج للقرآن عَنْ نظمه ومنهم من يجمع السجدات والتهليلات والتكبيرات وذلك