(وأما) موقوف مجاهد، فرواه الطبري (30/167) عن شيخه محمد بن حميد الرازي عن حكام بن سلم عن المثنى بن الصباح عنه قال: ((كان بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح، ثم يجاهد العدو بالنهار حتى يمسي، ففعل ذلك ألف شهر، فأنزل الله هذه الآية (ليلة القدر خير من ألف شهر) قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل)) . نعم، ذكر نزول الآية حكمة حكم المرفوع المرسل - ولا بد - أما الحكاية عن بني إسرائيل فلم يبين مجاهد عمن تلقاها، ولا تحمل هذه الرواية على سابقتها المرسلة عنه لعدم ثبوت في كل. ومع ذلك، فإسناد هذه أوهى بكثير، فلا يصلح شاهداً ولا مشهوداً له. ومحمد بن حميد الرازي - مع أنه معدود في الحفاظ - لكنه متهم بالكذب وغيره من القبائح، وقد وهاه جماعة وصرح أبو زرعة وأبو حاتم وابن وارة - الرازيون - وصالح جزرة وابن حراش بتكذيبه، وبين بعضهم أنه كان يقلب الأحاديث عمداً ويأخذ أحاديث الكوفيين فيرويها عن الرازيين. نعم، ولم يتبين أمره لابن معين فوثقه هو وغير واحد.
والمثنى بن الصباح - راويه عن مجاهد - هو اليماني الأبناوي، نزيل مكة. وهو واه، اتفقوا على تضعيفه - بإستشناء رواية فيه نظر عن ابن معين -، ووهاه الإمام أحمد ويحيى القطان والنسائي والساجي وابن الجنيد وابن عدي والدارقطني.
(هذا) والصحيح في تفسير الآية خلاف ذلك، فقد قال الإمام الطبري رحمه الله (30/167-168) - بعد أن ذكر رواية أخرى أنكر من هذه تفسر نزول السورة بسبب يتعلق بملك بني أمية! -: ((وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزيل قول من قال: عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. وأما الأقوال الأخرى فدعاوى معانٍ باطلة لا دلالة عليها من خبر ولا عقل، ولا هي موجودة في التزيل)) . قلت: وهذا الذي رجحه الطبري مروي عن مجاهد وقتادة والإمام الشافعي وغيرهم. قالالحافظ بن كثير رحمه الله (4:531) : ((وهذا القول بأنها أفضل من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر