مَنْ سَلَكَ فِي إِعَارَةِ الْكِتَابِ طَرِيقَ الْبُخْلِ وَضَنَّ بِهِ عَمَّنْ لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ قَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: الْبُخْلُ بِالْعِلْمِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهِ قَضَاءٌ لَحَقِهِ وَمَعْرِفَةٌ بِفَضْلِهِ , وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَتَاهُ رَجُلٌ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ عِلْمًا , أَوْ يَسْتَعِيرُ مِنْهُ كِتَابًا امْتَحَنَهُ فَإِنْ وَجَدَهُ أَهْلًا لَهُ أَعَارَهُ وَإِلَّا مَنَعَهُ , وَكَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُعِيرَهُ وَعْدَهُ وَرَدَّدَهُ , فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَضْجَرْ أَعَارَهُ , وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إِلَيْهِ كُفِيَ أَمَرَهُ وَعَلِمَ أَنَّهَا خَطْرَةٌ بِقَلْبِهِ خَطَرَتْ , وَشَهْوَةٌ كَاذِبَةٌ عَرَضَتْ , وَكَانَ يَقُولُ: لَا تُعِرْ كِتَابَ عِلْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَاعْتِبَارُكَ ذَلِكَ بِأَنْ تَسْتَقْرِيهِ الْكِتَابَ الَّذِي طَلَبَهُ , فَإِنْ قَرَأَهُ قِرَاءَةً صَحِيحَةً فَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ , وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ قِرَاءَتَهُ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ , فَلَا تُعِرْهُ , وَكَانَ يَقُولُ: مِنْ حَقِّ الْعِلْمِ إِعْزَازُهُ , وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا تُعِرْ كِتَابًا إِلَّا بَعْدَ يَقِينٍ بِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ ذُو عِلْمٍ وَدِينٍ , وَفِي مَعْنَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْعِلْمَ تَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ غَيْرِ أَهْلِهِ