وقت الظهر، ولم يكونوا يأكلون بالليل، ولذلك لا يوجد في لغتهم اسم لطعام يؤكل بالليل، وإنما كان عندهم غداء وعشاء، فالغداء تقدم بيانه، والعشاء طعام العشي.

قال صاحب القاموس: والعشي بالكسر، والعشاء كسماء طعام العشي، الجمع أعشية، وعشى وتعشى أكله، وهو عشيان ومتعش، وعشاه عشوًا أطعمه إياه كعشاه وأعشاه اهـ.

وفيما سوى هذين الطعامين لا يتقيد الأكل بوقت معتاد متى جاع الإنسان أكل. ومن أمثال العرب: خير النهار بواكره، وخير العشاء سوافره، والبواكر هي ساعات الإبكار، الساعات الأولى من الصبح. والسوافر ساعات العشي التي لا يزال فيها ضوء النهار موجودا قبل أن يجيء الظلام ومرادهم بذلك التبكير للأشغال والأعمال، وتعجيل العشاء قبل أن يأتي الظلام.

ولا يزال كثير من العرب عاملين بذلك إلى يومنا هذا، فإني كنت أسكن بقرية الزبير بقرب البصرة، وسكانها من أهل نجد، وهم محافظون على العادات العربية، فكنت إذا خرجت إلى المسجد لصلاة المغرب، ووقفت في الصف أشم رائحة الدسم تنبعث عن يميني وشمالي، وذلك دليل على أنهم تعشوا قبل غروب الشمس، ولكنهم لم يحافظوا على الغداء في وقته الذي كانت عليه العرب، فإنهم يفطرون في الصبح بما تيسر، ويؤخرون الغداء إلى أن يصلوا الظهر.

ولما كنت ساكنًا بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ألف وثلاثمائة وست وأربعين وسبع وأربعين رأيت سكان المدينة كلهم يتغدون في الضحى ويتعشون بين العصر والمغرب كما كان العرب الأولون يفعلون. أما في هذه السنة فقد أقمت في المدينة ستة عشر يومًا ودعاني كثير من الإخوان إلى الطعام فرأيت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015