كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت، دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لم أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، قال عبدالله: فهذه التي بلغت بك، وهي التي لا تطاق اهـ.
استفدنا من الآية والحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو عن الرجل الأنصاري، أن العمل القليل مع سلامة الصدر من الحسد والغل والغش خير من العمل الكثير الذي ليس معه تلك السلامة، ولكن عندنا هنا إشكالا في ادعاء عبدالله بن عمرو أنه خاصم أباه فغضب عليه، واتخذ ذلك وسلة إلى أن يكون ضيفا عند الأنصاري ليراقب عمله بالليل من صلاة، وقراءة قرآن ودعاء، فهل كان ذلك جائزا أن يتذرع المرء بالكذب البحت، ليتوصل إلى خير، وهو ما يسمونه في لغة أهل هذا الزمان المأخوذة من اللغات الأجنبية: الغاية تسوغ الواسطة.
والذي نفهمه من أدلة الكتاب والسنة أن الكذب في مثل هذا لا يجوز، فهي هفوة ارتكبها هذا الصحابي الناشئ، حرصًا منه على الخير، واكتشاف الأسرار، ليعرف ما يقوم به ذلك الأنصاري من العبادة بالليل، حتى شهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه من أهل الجنة ثلاث مرات في ثلاثة أيام متوالية.
ثم قال ابن كثير: وقوله تعالى: وَ {يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} يعنى حاجة، أي يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدأون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (أفضل الصدقة جهد المقل)، وهذا المقال أعلى من حال الذين وصف الله بقوله تعالى: (س 8: 76) {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى