ولهذا قال {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا} أي لم يجعل فيه اعوجاجا، ولا زيغا ولا ميلا، بل جعله معتدلا مستقيما، ولهذا قال {قَيِّمًا} أي مستقيما {لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ} أي لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به، ينذر بأسًا شديدًا، عقوبة عاجلة في الدنيا، وآجلة في الأخرى {مِنْ لَدُنْهُ} أي من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد {وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ} أي بهذا القرآن، الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح {أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا} أي مثوبة عند الله جميلة {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا} في ثوابهم عند الله، وهو الجنة، خالدين فيه أبدا، دائما، لا زوال له ولا انقضاء اهـ.
قوله (وهو الجنة) الذي أراه أن الأجر الحسن الذي يمكث فيه المؤمنون أبدًا لا يختص بنعيم الجنة، بل ينتظم سعادة الدنيا والآخرة، لأن الله وعد بذلك في غير ما آية من كتابه العزيز لقوله تعالى في سورة النحل (97) {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. وحكمة الله تعالى وعدله يقتضيان ثواب الدارين لكل أمة صالحة، وعقاب الدارين لكل أمة فاسقة، وأدلة هذا في القرآن كثيرة.
فسبب ما يقاسيه المسلمون في هذا الزمان من الشقاء هو إهمال القرآن، وجعله وراء ظهورهم. والخطأ الذي نحن الآن بصدد إصلاحه لا يقع ويشيع إلا في أمة أهملت القرآن، لأن هذا الفعل تكرر استعماله في القرآن فجاء في ستة مواضع أحدها قوله تعالى في سورة الفرقان (17 - 18) {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ: أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ؟ قَالُوا: سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ، وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ