فظهر أن المعانقة والاعتناق كلاهما مأخوذ من إدناء العنق من العنق، والدين ليس له عنق. ولا يعانق من دخل فيه. فالفعل هنا من جانب واحد.
والعرب لا تقول أبدا: اعتنق الإسلام، أو اعتنق النصرانية، أو اعتنق الفكرة، وإنما تقول: أسلم، وتنصّر، واعتقد كذا وكذا قال تعالى في سورة آل عمران (20) {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ، وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا، وَإِنْ تَوَلَّوْا، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ، وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ}.
ومثل هذه العبارات في الكتاب والسنة كثيرة جدا. ولا يوجد التعبير باعتناق الإسلام في أي موضع. لا يقال: إن اعتناق الإسلام استعارة، لأنا نقول: ليس كل استعارة مستحسنة، ولو كان التعبير بالاعتناق مستحسنا لعبر به القرآن أو السنة أو فصحاء العرب.
وقال الفيروز أبادي في القاموس: وأسلم: انقاد وصار مسلما. اهـ.
أقول: أسلم في اللغة إذ كان لازما، معناه: انقاد واستسلم وأما في اصطلاح الشريعة فمعناه: انقاد إلى ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقبله كله في الظاهر، فإن كان قبوله له ظاهرًا وباطنًا فهو مسلم حقا ومؤمن، وإن كان قد قبل ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- وانقاد له في الظاهر فقط فهو منافق، تجري عليه أحكام الإسلام، وهو في الحقيقة كافر. قال تعالى في سورة الحجرات (14) {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا، قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا، وَلَكِنْ قُولُوا: أَسْلَمْنَا، وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وإن كان هذا الفعل متعديا فمن معانيه: إخلاص التوجه إلى الله تعالى.