كل من يقرأ مقالاتي يعلم أن الاستطراد محبب إلى فيما أقرؤه وفيما أكتبه، لأن الاستطراد كالطعام المؤلف من ألوان متعددة، ولذلك رأيت أن أذكر تفسير أول سورة الروم تتميمًا للفائدة وتلوينًا للغذاء.
قال البيضاوي في تفسيره: {آلم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} أرض العرب منهم، لأنها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب، واللام بدل من الإضافة {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ} أي من إضافة المصدر إلى المفعول. وقرئ غَلْبِهِم، وهو لغة: كالجلب والجلب {سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ}.
روي أن فارس غزوا الروم فوافوهم بأذرعات وبصرى، وقيل بالجزيرة، وهي أدنى أرض الروم من الفرس، فغلبوا عليهم، وبلغ الخبر مكة ففرح المشركون وشمتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس أميون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرهن عليكم، فنزلت.
فقال لهم أبوبكر: لا يُقِرَّنَّ الله أعينكم، فو الله لتظهرن الروم على فارس بعد بضع سنين. فقال له أبي بن خلف: كذبت، اجعل بيننا أجلا أُنَاحِبُكَ عليه، فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما، وجعلا الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبوبكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخِطْرِ وماده في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين.
ومات أُبَي من جرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد قفوله من أحد.
وظهرت الروم على فارس يوم الحديبية، فأخذ أبو بكر الخِطْر من ورثة أُبَي، وجاء به إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: تصدق به. واستدلت به الحنفية على جواز العقود الفاسدة في