تقويم اللسانين (صفحة 193)

ويستعمل في إيجاد الشيء من الشيء، نحو قوله: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ} {خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ} {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ}.

وليس الخلق الذي هو الإبداع إلا لله، ولهذا قال في الفصل بينه تعالى وبين غيره: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} وأما الذي يكون بالاستحالة فقد جعله الله تعالى لغيره في بعض الأحوال كعيسى حيث قال: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي} والخلق لا يستعمل في كافة الناس إلا على وجهين أحدهما: في معنى التقدير، كقول الشاعر:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ض القوم يخلق ثم لا يفري

والثاني: في الكذب نحو قوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}، اهـ.

أقول: وبنقل هذا الكلام يقال قطعت جهيزة قول كل خطيب، ودارت الدائرة على المعترض.

قال المعترض: احتجاجه بأن الإيجاد والإنشاء خاص بالله تعالى وكذلك الخلق، وهذا احتجاج غريب، فالله تعالى المحيي، وعلى قوله لا يجوز أن نقول (إحياء مآثر العرب وتراثهم) الخ.

أقول، أنا ما احتججت قط بأن استعمال الإيجاد والإنشاء خاص بالله تعالى، وكذلك الإحياء، فهذا افتراء عليَّ، وإنما قلت: إن استعمال الخلق، هو الخاص بالله تعالى، فليراجع كلامي، ليعلم أنه يقولني ما لم أقله، ثم يرد ما تقوَّله عليَّ، بل الذي أرتضيه وأدعو إليه هو استعمال الإيجاد والإنشاء، وترك استعمال الخلق فيما يفعله غير الله تعالى فيقال فلان أحدث، أو أوجد نهضة أدبية في قومه، وكذلك فلان أحيى سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومآثر السلف الصالح، وفي الحديث (من أحيى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015