تعلم أن الحجة إنما هي في ما صح عن العرب في جاهليتهم، وفي دولة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء ودولة بني أمية قبل أن يختلط العرب بالأعاجم، وتفسد ألسنتهم، أما كلام المولدين، ولو كانوا من فحول الأدباء والشعراء كابن الرومي والبحتري والمتنبي، بل بشار بن برد أيضا لا يحتج بشعره مع قربه من العصر الأموي، فهذه حجتك التي جئت تصول بها؟
قال الراغب: في غريب القرآن: يقال للقاصر عن الشيء (دون) قال بعضهم هو مقلوب من الدنو والأدون الدنيء، وقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] أي ممن لم يبلغ منزلته منزلتكم في الديانة، وقيل في القرابة، وقوله: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 48] أي ما كان أقل من ذلك، وقيل ما سوى ذلك، والمعنيان يتلازمان وقوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: 116] أي غير الله وقيل معناه، إلهين متوصلا بهما إلى الله اهـ. فانظر إلى قول الراغب (وقيل ما سوى ذلك) يعني أن بعض اللغويين فسروا (مادون ذلك) بسوى ذلك، ثم قال والمعنيان متلازمان فبأيهما عبرت يفهم المعنى الآخر، ثم انظر إلى قوله فيما حكى الله تعالى عن عيسى بن مريم في آخر سورة المائدة: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي غير الله، فقد استعملت هنا (دون) بمعنى غير، بغير اختلاف، فما هو جواب المعترض؟
وقال صاحب لسان العرب بعد ما ذكر تسعة معان، (الدون) وقال (يعني الفراء) في قوله تعالى: {وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ} دون الغوص، يريد سوى الغوص من البناء، اهـ - سبأ.
فهذا من استعمال (دون) بمعنى سوى، فماذا يقول المعترض في تفسير الفراء؟ ، وقال الفيروزابادي في القاموس،