المحيط بعلومها ومعارفها، على حين أن هذا الذي جاء بالقرآن رجل أمي، نشأ في أمة أمية جاهلة، لا صلة لها بتلك العلوم وتدوينها ولا إلمام لها بكتبها ومباحثها. بل إن بعض تلك العلوم لم ينشأ إلا بعد عهد النبوة ومهبط الوحي بقرون وأجيال. فأنى يكون لرجل أمي كمحمد ذلك السجل الجامع لتلك المعارف كلها إن لم يكن تلقاه من لدن حكيم عليم؟ قال سبحانه مقرراً الإعجاز العلمي: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} .
فانظر إلى قوله في سورة القيامة مبيناً ومقرراً اقتداره على إعادة الإنسان وبعثه بعد موته: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} . أرجو أن تقف قليلا عند تخصيصه (البنان) بالتسوية في هذا المقام. ثم تستمع بعد ذلك إلى هذا العلم الوليد (علم تحقيق الشخصية) في عصرنا الأخير، وهو يقرر أن أدق شيء وأبدعه في بناء جسم الإنسان، هو تسوية البنان، حتى إنه لا يمكن أن تجد بناناً لأحد يشبه آخر بحال من الأحوال. وقد انتهوا من هذا القرار إلى أن حكَّموا البنان في كثير من القضايا (والحوادث فتبارك الله أحسن الخالقين) ! ولا أريد أن أطيل عليك في هذا الموضوع؛ فمعجزات القرآن العلمية لها ميدان آخر. إنما هي نظرة خاطفة نوضح بها المراد بعلوم القرآن والله وحده هو المحيط بأسرار كتابه. ولا يزال الكون وما يحدث في الكون من علوم وفنون وشؤون لا يزال كل أولئك يشرح القرآن ويفسره، ويميط اللثام عن نواح كثيرة من أسراره وإعجازه، مصداقاً لقوله جلَّ ذكره {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} . {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} .