وأما وضوح هذه الهداية: فلعرضها عرضا رائعا مؤثراً توافرت فيه كل وسائل الإيضاح وعوامل الإقناع: أسلوب فذ معجز في بلاغته وبيانه. واستدلال بسيط عميق يستمد بساطته من كتاب الكون الناطق وأمثال خلابة تخرج أدق المعقولات في صورة أجلى الملموسات. وحكم بالغات تبهر الألباب بمحاسن الإسلام وجلال التشريع. وقصص حكيم مختار يقوي الإيمان واليقين ويهذب النفوس والغرائز ويصقل الأفكار والعواطف، ويدفع الإنسان دفعا إلى التضحية والنهضة ويصور له مستقبل الأبرار والفجار، تصويراً يجعله كأنه حاضر تراه الأبصار في رابعة النهار، والأمثلة على ذلك كثيرة في القرآن، يخرجنا استعراضها عما نحن بسبيله الآن.
والمهم أن نعلم في هذا المقام أن الهدايات القرآنية الكريمة منها ما استفيد من معاني القرآن الأصلية، ومنها ما استفيد من معانيه التابعة، أما القسم الأول فواضح لا يحتاج إلى تمثيل، وهو موضوع اتفاق بين الجميع. وأما القسم الثاني ففيه دقة جعلت بعض الباحثين يجادل فيه وإنا نوضحه لك بأمثلة نستمدها من فاتحة الكتاب العزيز:
منها استفادة أدب الابتداء بالبسملة في كل أمر ذي بال، أخذا من ابتداء الله كتابه بها، ومن افتتاحة كل سورة من سوره بها عدا سورة التوبة.
ومنها: استفادة أن الاستعانة في أي شيء لا تستمد إلا من اسم الله وحده، أخذا من إضافة الاسم إلى لفظ الجلالة موصوفا بالرحمن الرحيم، ومن القصر المفهوم من البسملة على تقدير عامل الجار والمجرور متأخراً، ومن تقدير هذا العامل عاما لا خاصا.