وجاء عن أبي حنيفة رحمه الله: أنه جاءه رجل وقال: يا أبا حنيفة! في المسجد حلق فتيان يتناظرون في الفقه، قال: ألهم رأس؟ قال: لا، قال: لن يتفقهوا أبداً.
ويعني بـ (رأس) أي: شيخ أو أستاذ يرجعون إليه فيما يختلفون فيه.
فإنه قد يجتمع جماعة لهم حماس وحسن نية -على ما نحملهم عليه بحسن الظن- وهم راغبون في الخير، ولكن ليس كل راغب في الخير يصيب طريقه، فيجلسون يتذاكرون، ويتحادثون، ويتناقشون، ولكن ليس لهم رأس يرجعون إليه، وليس بين أيديهم كتاب يقرءونه، ويأخذون عن مؤلفه وما يعزوه إلى سلف الأمة.
فما يقع منهم إنما هي حواصل مناظرات أو مدارسات أحصوها، ثم يناقش بعضهم بعضاً، وهذه ليست طريقة علم، ولا سيما إذا ابتلي البعض بتتبع شواذ المسائل.
يقول عمر رضي الله تعالى عنه وهو على المنبر: أحرِّج على كل مسلم -أي: أجعله في حرج وضيق، وأضيق عليه- أن يحدث حديثاً ليس العمل عليه.
لأن في تتبع الشواذ إثارة للفتن، وكما قال ابن عبد البر: ما تتبع إنسان شواذ المسائل إلا وحرم العلم؛ لأنه يقضي حياته في تتبع تلك الشواذ! وللأسف كل الأسف أننا نجد الآن رسائل كتبت في الحج أو في غيره، وفيها أحاديث ينص عليها من رواها بأنه لم يعمل بها أحد -وهذا موجود بأيدي الناس- يفعل ذلك من تتبع الشواذ وعُرِف بذلك.
أيها الإخوة الكرام! لو أن المسلمين التزموا تعاليم هذه الآية فقط لسلموا وبقوا على الصراط المستقيم بعيدين عن الشواذ، بعيدين عن الابتداع.